رحلة مع أربع شخصيات حكمت العراق

فوزي عبد الرحيم السعداوي

3 – أحمد حسن البكر

واحد من الشخصيات التي لعبت دورا في تقرير مصير العراق في الفترة بين ١٩٦٣ إلى وفاته في ١٩٨٢..شخصية محدودة جدا لا يملك أي ثقافة قومي إسلامي مثل عبد السلام عارف الذي كان معجبا به على الرغم من تواضع شخصيته وثقافته حتى انه سمى ولده على اسمه..بدا حياته معلما ريفيا حيث بقى في هذه المهنة ٦ سنوات قبل ان يدخل بالواسطة الى الكلية العسكرية استثناء من شرط الحصول على الشهادة الاعدادية فهو لم يكمل سوى الدراسة المتوسطة وقد فشلت محاولاته اللاحقة في الحصول على الشهادة الاعدادية..

كان ضابطا فاشلا لذلك لم يتبوأ أي مركز… ولم يعرف عنه الذكاء لكنه كان صاحب عقلية تآمرية وذو شخصية ماكرة، حقود، ليست له كلمة.

قام بتعذيب وتصفية خصومه بدون رحمة عن طريق صدام وناظم كزار مدير الأمن العام الذي منحه رتبة لواء…فاعدم رشيد مصلح بعد تعذيب رهيب وكذا الامر مع مدحت حاج سري وكلاهما اعترفا بالتجسس كما تعرض طاهر يحيى لتعذيب شديد لم ينتبه سوى إصابته بالعمى ليطلق سراحه ليموت بعد وقت قصير..

يوم ١٤ تموز 1958 وصل الى المسيب قادما من بغداد للمساعدة في السيطرة على اللواء الاول وكان آمره حينها وفيق عارف ..حاول عبد السلام ان يعينه آمرا لللواء لكن الزعيم قاسم رفض وعين هاشم عبد الجبار فاصبح آمر فوج تحت إمرة اللواء ..اعتقل بعد فترة قصيرة من الثورة وكان اعتقاله بتهمة تآمره على الثورة الوليدة..في المعتقل تعرف على بعض البعثيين عسكريين ومدنيين ومنهم صالح مهدي عماش الذي أقنعه بالانضمام لحزب البعث فاصبح عضوا في المكتب العسكري وعندما بدا البعث الاعداد لـ انقلاب ٨ شباط ازدادت اهمية البكر وخاصة بعد اعتقال امين سر القطر علي صالح السعدي الذي كان قد حدد موعدا للانقلاب فقام البكر بتقريبه ..لعب البكر دورا مهما في الاستعدادات للانقلاب وفي يوم الانقلاب كان لعب دورا رئيسيا في التنفيذ لذلك عين رئيسا للوزراء..شارك البكر في ١٨ تشرين في عملية إسقاط حكم حزب البعث نكاية بيسار البعث وذلك بالتعاون مع حردان التكريتي وصالح مهدي عماش وقريبه الشاب وهو ما تسبب له ببوصلة جديدة وعقدة كلما تذكرها زاد تصميمه على الانتقام ومساعدة البعث للوصول للسلطة وهذا ماحصل في ١٧ تموز 1968 ..كان البكر شديد التمسك بالسلطة فاستخدم صدام لترويع خصومه ولذلك سلم صدام صلاحيات كبيرة..لم يكن البكر معروفا بالشجاعة عوضها بميكافيليته…لم يتوفر البكر على ثقافة سياسية ابدا..

كان البكر يفضل العمل وفق سياقات الدولة وليس الحزب كما انه كان يحترم الرتبة…من مظاهر ثقافته المحدودة انه في مؤتمر المحامين العرب القى كلمة ثم أراد انهائها ببيت شعر شهير فقال ..وما نيل المطالب بالتمني…ثم توقف محاولا تتمة البيت لكنه فشل فقام مرافقه طارق حمد العبد الله بالاشارة للجمهوره ليكمل البيت وهذا ما حصل …

في آخر ايامه ومع تقدمه بالسن وممارسته السلطة ظهرت عليه مظاهر الحكمة فرفض التوقيع على اعدام جماعة خان النص واعترض على فض الجبهة مع الشيوعيين وتصفيتهم

واخيرا لم يوافق على شن الحرب على ايران لكن كل اعتراضاته لم تنفع فقد سيطر صدام على كل شيء وأصبح البكر اسيره..

لم يعرف عن البكر الشجاعة فعوضها بميكيافيلية مثلت جوهر ممارسته .. استخذى امام عبد السلام عارف عندما أعلن اعتزاله السياسة وتفرغه لحياته الخاصة ثم استخذى امام صدام حين اعلن تخليه بإرادته عن السلطة لصالح صدام حسين

4 – صدام حسين

ما زال العراق وشعبه يعيشون تاثيرات عهد صدام حسين التي ستستمر لوقت طويل..لقد كان لطفولة صدام القاسية والحرمان الذي قاساه تاثيره المباشر في ان يتسم صدام بصفة الشراسة والقسوة وقوة التحمل والأقدام وهي صفات كانت له عونا في مواجهة تحديات خطيرة والانتصار عليها…

يرى كثيرون ان صدام كان ذكيا مستندين في ذلك على انجازاته الشخصية..ان صدام لم يكن ذكيا ابدا واثبتت التجارب ذلك لكنه كان يملك غريزة قوية تكونت نتيجة ظروفه جعلته يستشعر الخطر ويتعامل معه ..شجاعته وجرأته مشهودة، ثقافته محدودة بما في ذلك الثقافة السياسية لكنه أثناء توليه السلطة حاول تطوير هذه الثقافة وهو ما نجح فيه بشكل محدود.. قومي عروبي التوجه، تأثر بأفكار خاله خير الله طلفاح والتي شكلت المبادىء الأساسية لنظرته للعالم وعلى الرغم من أنه طور ثقافته السياسية كما تغيرت ثوابته لكن خير طلفاح كان حاضرا في سلوكه واقواله المعلنه وهو أمر تغير كثيرا في السنين اللاحقة…أهدافه السياسية ذات طابع شخصي فهو يبحث عن مجده الشخصي والتمتع بامتيازات المنصب اضافة لايمانه بالوحدة العربية شرط ان تكون بزعامته…قاسي جدا غدار ليست له كلمه أو عهد فهو حساس جدا أزاء ما يراه خطرا فيستاصله غريبا كان أم صديقا.. مارس دوره وفق سياقاته الخاصة ولم يهتم بمراعاة القوانين .. وعلى الرغم من تكراره لايمانه بالبعث ومبادئه فان أفكار البعث لم تكن تشكل له مرجعية فكرية.. حيث مرجعيته الفكرية مصلحته وممارساته العملية السابقة… وبرغم وجود علاقات خارج بيت الزوجية الا انه لم يكن متهتكا، هو عنصري وطائفي لكنه بخلاف عبد السلام عارف استطاع إخفاء ذلك وتغليفه بأفكار الحزب ومسؤولياته كرئيس دولة …لديه حس أمني قوي يستخدم أقصى درجات القوة والعنف لأبسط الأسباب وفي أحيان كثيرة بدون مبرر.. لديه عقدة من عبد الكريم قاسم بسبب شعبيته العفوية التي أرادها له ولم ينجح إلا بالحصول على نسخة مشوهة منها جوهرها الخوف والاغراء.. في سنيه الأخيرة اعترف بخطأ البعثيين بالتعامل مع قاسم وبوطنيته وأكد أنه على الرغم من انه أطلق عليه الرصاص بهدف قتله لكنه لم يكرهه أبدا الا ان ذلك كان بأمر حزبي بخلاف عبد السلام عارف الذي يكرهه.

من أجل أمنه الشخصي وحماية للنظام لجأ للعائلة بشكل غير مسبوق في تاريخ حكام العراق، تصرف مع المال العام بصفته ملكية فردية وهو أول رئيس عراقي يسلك هذا السلوك.. في عهده تحولت الدوله إلى رجل أمن فالهاجس الأمني له الأولوية في الدولة والحزب… محب لذاته نرجسي، وعلى الرغم من شجاعته المعهودة لم يقاتل كما هو متوقع بل سلم نفسه بطريقة مذلة بسبب رغبته الشديدة بالحياة.. اصيب في آخر عقد من حكمه بجنون العظمة ما أثر في قراراته السياسية وماأدى لنقمة الناس عليه مثلا كان يبذخ في احتفالات عيد ميلاده فيما البلاد تحت حصار خانق والمواطن العادي يجد مشقة في الحصول على اللقمة.

تمتع صدام بصفات القائد والإداري الناجح إذ كان دائما يضع أولوياته بحسب أهميتها وبالغالب حسب أهميتها الأمنية.

غير مؤهل للعب دور السياسي فهو سياسي فاشل ضيع فرصاً كبيرة في مراحل حاسمة على النطاق الشخصي والوطني ما قاد البلاد لما هي عليه.

محب للآخرين وخاصة الفقراء.

كذلك هو كان وطنيا محبا لبلاده بشكل استثنائي عفيف اليد واللسان متماسك اخلاقيا… افكاره السياسية بسيطة وعامة فهو وطني شديد التمسك بعراقيته معتز بعروبته برغم الاتهامات الباطلة بالشعوبية لكن أولويته كانت دائما العراق وفي مجال العدالة الاجتماعية فانه يرى أنه يجب دعم الفقراء دون الاضرار بالآخرين.. بعيد عن أي شكل من أشكال التعصب القومي أو الديني … في لقطة تؤكد ذلك قال لوفد من الطائفة الموسوية (اليهود) انكم مواطنون عراقيون ولافضل في ذاك لأحد فالمواطنه ليست حذاءا يمكن خلعه بل هي تكتسب بالولادة ولاتنتزع الا بالموت… وفي لقطة ذات دلالة يقول مرافقه قاسم أمين الجنابي انه وفي ذروة الحملات الإعلامية ضد الزعيم قاسم باتهامه بالشيوعية اقترحت عليه ان نطبع له صور تظهره وهو يصلي، رد قاسم بعصبية وكيف سأظهر في الصورة مسبلا يدي أو كاتفا اياها!! ثم هل نسيت ان العراق لايتكون فقط من المسلمين.. كان قاسم يصلي خلف أبواب مغلقة لئلا يشاهد أحد طريقته في الصلاة.

في السياسة ينسب له القول ان قيادة البلد تشبه قيادة لواء بالجيش!! كان محافظا في تفكيره لايحب التغيير وحسب عبد اللطيف الشواف وزير تجارته فانه لم يغير الكادر الملحق بمجلس الوزراء.. ولم يكن يملك أي منهج ولا يخطط لاعماله.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة