الثورة والجمهورية والفقهاء

في مثل هذه الايام وقبل 41 عاماً (1979-2020) تمكنت آخر الثورات الشعبية في القرن العشرين، من اقتلاع النظام الشاهنشاهي لتشرع ابواب بلاد فارس أمام ولادة نظام جديدهو؛ الجمهورية الاسلامية. خلطة سياسية وعقائدية لم تعرفها قواميس وعلوم السياسة من قبل، تم فيها جمع ما انتجته الثورة الفرنسية وعصر التنوير “الجمهورية”، بما تفتقت عنه مخيلات ومدونات القوافل المسكونة بحلم “ولاية الفقيه”. من يعرف شيئا من التفاصيل عن تاريخ ايران الحديث، منذ الاصلاحي البارز أمير كبير ولحظة اغتياله الى زمن “المشروطة والمستبدة” في العام 1905، وما تلا ذلك من محطات واحداث دراماتيكية؛ يفهم علل ظهور مثل تلك الخلطة التي جمعت الشتيتين، لا سيما وانها جاءت في أكثر اعوام حقبة (الحرب الباردة) التباساً واحتقاناً محلياً ودولياً، وما شعارها “لا شرقية ولا غربية… جمهورية اسلامية” الا تعبير واضح عن ذلك. آنذاك مرت تلك الخلطة الغرائبية وتم تبريرها بشتى الذرائع والمبررات الآيديولوجية، غير انها تحولت اليوم الى وبالاً يلحق أشد الاضرار على حاضر ومستقبل الشعوب الايرانية.
كما هي كل التجارب التي ترهن المصائر السياسية والاجتماعية للبلدان والامم، الى ما تنسجه العقائد والايديولوجيات، تجد في شماعة “العدو” الخارجي والداخلي محوراً ومبرررا لكل سياساتها وقراراتها ومغامراتها. وقد لخصت عبارة مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله الخميني حول لحظة اندلاع الحرب (العراقية- الايرانية) بوصفها “نعمة” ذلك بشكل لا يحتاج لاي شرح. بعد انتهاء تلك (الحرب-الكارثة) ورحيل آية الله الخميني (في العام 1988) ولاسباب وشروط لا تنفصل عما اشرنا اليه من مناخات واصطفافات، اهدر الايرانيون فرصة التأسيس لانعطافة نوعية تنتشلهم مما فرضته عليهم ظروف (الحرب الباردة) والتمترسات المحلية الحادة، وقد استشعر تلك الحاجة عدد غير قليل من الشخصيات الايرانية ابرزها الشيخ هاشمي رفسنجاني رحل بشكل مفاجئ في (العام 2017) لتنحدر الاوضاع الى ما تم التحذير من عواقبه مراراً وتكراراً؛ اي المزيد من اوهام “الحرب بالوكالة” والتي تفضى لا محالة الى المواجهة المباشرة.
في تناول ملف الجمهورية الاسلامية غالباً ما نجد انفسنا امام سيل من الكتابات والخطابات، المثقلة بثارات وضغائن الحروب التاريخية وسردياتها البعيدة عن المهنية والانصاف. لذلك نجدها غالباً ما تنفخ في ذلك الارث البغيض من الكراهة والاحقاد، من دون الالتفات الى العلل الفعلية التي تقف خلف تلك السياسات والمغامرات؛ أي مواجهة ما يهرب منه المستبدين والعقائدين من تحديات بناء مشروع الدولة الحديثة ومؤسساتها ومدوناتها. قبل ايام اصدرت المحاكم الثورية الايرانية احكاماً بالسجن لسنوات عديدة، على عشرات الشخصيات الايرانية المرموقة لا ذنب لهم سوى؛ اصدارهم لبيان مشترك يدعون فيه آية الله علي الخامنئي لتقديم استقالته. في مثل هذا الاحكام والمواقف يمكننا فهم طبيعة المازق الذي تمر به الجمهورية الاسلامية بعد مرور 41 عاماً على ولادتها، جراء فرض نظام سياسي وعقائدي لا يسمح بوجود أي شكل من أشكال الحرية والتعددية الفكرية والسياسية، حيث يتمتع فيه شخص ولي الفقيه بصلاحيات عابرة، لكل ما عرفته الجمهوريات منذ الثورة الفرنسية (في العام 1789) انتهاء بجمهوريات الموز. ان الاصرار على مواصلة سبل القمع “تقربا الى الله” يتنافر وما حاولت شرائع السماء الانتصار له “كرمنا بني آدم” هذه الرسالة التي سيدركها الايرانيون في نهاية المطاف..

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة