علي السباعي
معلم
اعملُ مديراً لمدرسةٍ ابتدائيةٍ عريقةٍ… برغم كونٍنا نعيشُ في القرن الحادي والعشرين ألا أن أدواتنا كانـــت بدائيةً بسبــب انقطاعِ التيارِ الكهربائي المستمــر لجأَنا إلى استعمال صفارةِ معلمِ الرياضةِ بدلَ استعمال الجرسِ الكهربائي … وضعنــــا جدولاً لكــلِ يومٍ يصفـرُ فيه معــلمٌ أو معلمــةٌ …
لفت انتباهي احدُ المعلمين كلما تُطلق صُفّارةُ الذهابِ إلى الدرس يهبُ من
جلستــهِ بيننا ويذهبُ مُسرِعاً … وفي مراتِ أخرى يظلُ جالساً حتى وان انطلقــت الصفارةُ مدويةً وبقوة … ملأني الفضول … سألتُ احَد المعلمين
عن سِر ِتصرف هذا المعلم القدير … جاءني الجواب صاعقا :» إذا كانت
الصفارة تطلقها إحدى المعلماتُ يهْرَعُ المعلمُ بشغفٍ ليأخذَ الصُفارةَ ويضعُها في فمهِ يتذوقُها … يمتصُها.
زواج
أعمــلُ نجاراً أمامَ إعداديةٍ للبنــاتِ … انتمي لأسرةٍ فقيرةٍ … أمـي مُطَلَقَةٌ … أبي متزوجٌ من أخرى … أعيشُ في كَنفِ جدي لأمي . أحببتُ طالبةً جميلةً جداً ….. اتفقنا أنا وحبيبتي على الزواجِ … رفضَ أهلُها طلبي … طلبتْ مني أن أستعينَ بِمُدرِّسة قريبةَ جداً
منها … حَـدثْتُها لمساعدتِنا وإقناعِ أهلِها بالزواجِ … قالــت لي من دون مقدمـات :
« أنا جاهــزةٌ … عندي بيتٌ باسمـي … وذهب …
لـِمَ لا تتقدم لِخطْبَتي ؟ « .
وافقت فوراً وتزوجتُ المُدَرّسة.
قذيفة
كان معي جنديٌ إبان حـرب ثماني السنــوات فـي جبـــهةِ القتـــالِ ،
لم يكن مقاتلاً شرسـاً ، كــان عازفَ عودٍ موهـــوباً ، مُبدعـــاً، لا يجيدُ القتالَ… في أثناءَ المعــاركِ الطاحنـــةِ وما أكثرَها وفي أثناءَ اشتدادِ القصفِ كان يعزفُ لنا نحنُ إخوانَه المقاتليـن أجملَ الألحان ، يضربُ علــى عودهِ بلا تعــــبٍ ، بمتعةٍ وإبداعٍ أبداً لا يكررُ نفسَه … أُعلــــنَ وقـــفُ إطــــلاقِ النارِ في 8/8/1988 راحَ يدندن فرحاً بانتهائِها.. وإذا بقذيفـــةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعـــه وهو يعزُف … تقتلٌه.
استجداء
أتسكعُ تسكعـــاً معرفياً … فـــي أحــدِ شوارعِ النــاصرية …
الناصريـــة التـــي هـــي أشد خراباً مـــن واســط القديمة …
واجهتني شابةٌ متعبةٌ … تستجدي المــــارة بكفين مقطوعتين.
صبي أسمر وحمائم بيض
شــابٌ رافدينيٌ يافــعٌ حالـــمٌ … طَموحٌ ،جلَب أَول أيـــام التحــرير خمس مئــــة حمامـــةٍ إلـى ساحـــة الفـــردوس ، ليحـــاكي ساحــةَ
النصرِ فــــي باريـــس بطيورِهـــا التـي تملأُهــا حيــــــاةً وهديـــلاً ،
مــلأ الفردوسَ بيماماتِه البيض التي تحلـــق سعيدةً مطرزةً سمـاء بغداد بالحرية ، جاء ثاني أيام الاحتـلال ليجد ثلاث مئة
وخمسين حمامةً قـد اختفت … سأل ودمــوُعه مِلءُ مآقيه :-
من سرقَ طيورَ السلام ؟
أجابـَه صبٌ اسمرُ صغيـر يلهو في الفـــردوس :-
– رجالُ الشرطة.