سلام مكي الإحساس المبكّر بالفجيعة

عبد الغفار العطوي

في اللهو بالخراب (1)
1 – ما الاحساس ؟ و في أي اتجاه يمكن ان نراه كي يشكل معضلة ؟؟ هذا ما يمكننا ان نعرفه في المجموعة الشعرية للشاعر العراقي سلام مكي التي تبتدئ بالإهداء إحساساً أولياً مباغتاً بتوالي الفجيعة ، كأنما ( الاهداء ) الايقونة المترامية في فضاءات النصوص ، تشكل ملمحاً ضارياً في الاحساس المأساوي بالوجود:
الى الازقة المبللة بأنين أبي
الى من يقيم في جسده الرطب
الى الامس الذي قضم عمر امي الخ.. في استرسال فاجع و حزين كي نفهم الاسس النفسية التي بنا الشاعر إحساسه بالفجيعة عليها التي تبوأت مقاعد الرؤى و هي تتغنى بالخراب النيروني ، التلهي بالخراب و الزهو بالفجيعة و الإيغال في عالم إناركي لذيذ لا يمت سوى للإحساس الفجائعي بصلة ، و يمكن التكهن بخراب الروح اولا و خراب الواقع آخراً ، و بالتالي التدمير الممنهج للذات الإنسانية التي يتشوق سلام مكي للتغني بها وسط حرائق العالم و ملاهي الناس ، من هنا اقتربت او كادت تقترب نصوصه من حافات الجنون و الهوس و المراهنة على عالم خائب
2 – في مستهل نصوصه أول ما يفعله سلام مكي ان يصدر أحلامه في نداءات متتالية في ( احلام قيد النهار ص11) هذه النداءات تكشف عن نفاد صبر و تبرم تضع عالمه في زاوية معتمة من الاحساس الفجائعي
يا جرحاً ينزف الحسرات
يا عمراً يغط في وجع عميق
يا حناجر طفت بسيول الصدى البعيد
يا صمتي البليغ
المتوحش حد الضوضاء ، الموحش حد الجوع
يا أناي المرهفة
من فرط الارتحال
و لعل ميل سلام مكي الى الاطالة في نصوصه بناء على محاولته في الاستغراق النفسي الى التحتانية من ذاته التي تعيش أزمة الكينونة المفرطة في الاحساس المبكر بالوحشة و الوحدانية و اضمحلال الرؤية الإنسانية و بالتالي طغيان الشيء حيث تتحول كل أزمة الى أخيلة و رغبات كما في ( قهقهات حزينة ص 17)
ذات ضياء بعيد
هوت اشرعة القارب
و استحال الضباب ألماً يتدلى
مثل حبال الروح الشفافة
و التردد بين ذات سلام مكي التي تتعلق بالأحلام و بين ما يمكن ان يكون الاحساس المبكر بديمومة العالم المترامي في العتمة هو ك(ضوء الظلام ص 48 ) خدعة كبيرة و أخطاء لا تغتفر إزاء عالم مهجور و ظل داجن لا يمكن ترميمه او إصلاحه
ليس لي ان اترك ظلي
يراود خطأه
ليس لي ان اترك نجمي
نائماً في عشه حتى الصباح
ليس لي ان احزم انفاسي
على متن جسد لم يذق مرارة السرير
نحن نتساءل مع سلام مكي عن ( نهر الأمل ص 51 ) اين هو ؟ بيد ان قراءة النص تظهر ان لا أمل في الحقائب ، و لا أمل في الفوضى ، فمن أين يأتينا الأمل و هذه الذاكرة تنام على ضفة امل كاذب
وحيداً اوزع الحقائب
على الباصات و الزمن
استل همس المسافرين من فم الجدران
لأنسج غابات من الفوضى
وحيدة تنام ذاكرتي
إلا مع الحزن و اللاجدوى
الى هنا يظل سلام مكي متأهباً للقفز إما الى أمام و إما الى الخلف و كلا القفزتين هما عبارة عن جنون نتشوي او لهو اناركي يتمثل في اللهو بالخراب و ( شراع من الريح ص ص92 ) هو خلاصة كل عمق الاحساس بالفجيعة التي يتحسسها سلام مكي حينما يواجه فجائعه المفرطة بالاناركية
اريد ان اطهو اصابعي في مقلاة الله الكئيبة
او ادخن الطريق المؤدي إليه
اريد ان تتلون احشائي بالدخان
حتى يضحك المسعفون من شدة السعال
و تتوقف خراطيم الاسئلة عن التدخل
اريد ان اتكور كأنثى قنفذ تنتظر ليلتها الاولى
1 – اللهو بالخراب سلام مكي الناشر دار الفارابي بيوت 2016 الطبعة الاولى

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة