المعالجة الدستورية لاستقالة رئيس الوزراء العراقي

جرجيس كوليزادة*

وفقا للفقرة اولا من المادة (81) من الدستور العراقي الدائم، يتم تكليف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا من قبل رئيس جمهورية العراق لتشكيل مجلس الوزراء، وهذا ما حصل عندما قام برهم صالح رئيس الجمهورية بتكليف عادل عبدالمهدي مرشح كتلتي الفتح والسائرون في البرلمان قبل ما يقارب السنتين، وذلك لتشكيل الحكومة المكلفة بادارة الدولة العراقية وفقا للمادة (80) من الدستور، وبعد التكليف تمكن عبدالمهدي من تشكيل مجلس الوزراء ونال موافقة مجلس النواب عليه، وليس بخافي ان ترشيح عبدالمهدي لتشكيل الحكومة كان خيارا توافقيا داخل الكتل النيابية الشيعية بالرغم من عدم امتلاكه لمجموعة برلمانية، وبضوء اخضر من ايران والولايات المتحدة وبدعم وتأييد قـوي مـن مسعـود البرزانـي.

ولكن المثير وبعد مرور اقل من سنتين على تشكيل حكومة عبدالمهدي التوافقية لم تظهر اي علامة على فعالية برامج ونشاطات مجلس الوزراء، ولم تظهر بوادر اعمال لخدمة الاغلبية الفقيرة من العراقيين، ولم تبدي خطوات لمعالجة الازمات الاقتصادية والمعيشية والحياتية وخاصة مشكلة البطالة، وبالرغم من الوعود  التي طرحها رئيس الحكومة في برنامج عمله بعد نيل ثقة البرلمان.

والاكثر غرابة ان رئيس الوزراء لم يفعل شيئا بتاتا ضد الفساد المستشري داخل مفاصل الرئاسات والبرلمان والحكومة والاحزاب، ولم يبذل جهدا ولو صغيرا للالتفات الى المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها العراق، ولم يمر على الازمات الاجتماعية والمعيشية والحياتية التي يعاني منها العراقيون، ولم يذهب الى التعرج على مشكلة البطالة الكبيرة، التي يعاني منها الشباب العراقي، ومن غياب فرص العمل في القطاعين الحكومي والأهلي، ولم يتعامل مع مشكلة خط الفقر التي تعاني منها الملايين من المواطنين.

ولهذا انطلقت شرارة الانتفاضة الشبابية الثائرة والعارمة في 25 من اكتوبر، وبدأت بطرح مجموعة من المطالب للمتظاهرين منها رحيل الرئاسات ووجوه السلطة الحاكمة وحل مشكلة البطالة والقضاء على الفساد وتعديل الدستور وتغيير نظام الحكم، ولم يتمكن رئيس الحكومة من معالجة الموقف، ولم يقدم على تعامل عقلاني مع المظاهرات السلمية بل على العكس لجأ الى استخدام القوة والعنف المفرط تجاه المتظاهرين الثائرين، فتسبب بسقوط المئات من الشهداء والاف الجرحى والمصابين، ولجأ الى ارتكاب مجازر بشعة في بغداد والبصرة وكربلاء والناصرية والنجف.

ولولا تدخل مرجعية السيد علي السيستاني على خط المواجهة، ودعواته المتلاحقة لمجلس النواب لمعالجة الموقف واقالة الحكومة ورئيسها، لادخل عبدالمهدي الفاسد وزمرته القاتلة العراق في حرب اهلية شرسة، ولهذا لم تمر ساعات على موقف المرجعية الحازم تجاه الاعمال الاجرامية للحكومة ورئيسها عادل عبدالمهدي حتى بادر الاخير الى اعلان تقديم الاستقالة الى مجلس النواب، وهي بالاصح اقالة.

وهنا تعرضت مسألة آلية تقديم استقالة رئيس الحكومة الى تحليلات متباينة بسبب عدم تطرق بنود الدستور  الى هذا الأمر، وحمل الموضوع وجوب تقديم كتاب الاستقالة الى مجلس النواب او رئيس الجمهورية ؟.

ومن باب عرض المشهد القانوني للمسألة، وبالرغم من تقديم رئيس مجلس الوزراء لكتاب استقالته الى مجلس النواب، الا ان المسالة من زاوية قراءة الدستور والصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية وفق المادة (73) واختصاصات البرلمان وفق المادة (61)، نجد ان مجلس النواب ليس من عمله تقديم مرشح لتشكيل الحكومة وانما التصويت عليه لنيل ثقة اغلبية اعضاء المجلس، والتكليف يتم عبر رئيس الجمهورية دستوريا وفق المادة (76)، وهذا التفسير يلزم من الناحية المنطقية ان تمر اجراءات تقديم استقالة رئيس الحكومة عبر نفس المسار الذي يسير عليه الدستور لتقديم مرشح تشكيل الحكومة، وعليه فان اجراءات تقديم كتاب الاستقالة يجب ان يتم عبر رئيس الجمهورية وليس عبر مجلس النواب كما ذهب اليه عبدالمهدي بمشورة خاطئة من رئيس مجلس القضاء.

وعليه وبعد السرد اعلاه من المفيد ان نبين ان عراق ما بعد (25) اكتوبر ليس عراق ما قبله، فلابد ان يحصل تغيير شامل واصلاح كامل، وهذا لا يحصل الا برحيل جميع وجوه نظام الحكم الفاسد القائم، ومسألة تشكيل تقديم الاستقالة واعلان حكومة مؤقتة جديدة او تحويلها الى تصريف اعمال لا يجدي نفعا ولا يقدم شيئا للعراقيين وللثائرين المنتفضين، ولهذا لابد من انتخابات برلمانية مبكرة وفق قوانين جديدة للانتخابات والمفوضية المستقلة لرسم خارطة سياسية جديدة بعيدة تماما عن الساسة الفاسدين المارقين، ولابد ان تكون طبقا لاسس وشروط افرزها واقع انتفاضة الشباب الثائر وثورة اكتوبر السلمية ضد الحكم الفاسد الجائـر.

* كاتب وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة