تساؤلات عن دور المثقف في الحركة الاحتجاجية و جدوى الحضور وإشكالية الغياب

سلام مكي

في ظل تصاعد الحركة الاحتجاجية واتساع رقعة التظاهرات في معظم مدن الوسط والجنوب، يبرز تساؤل مهم وحيوي، حول دور المثقف وما هو مطلوب منه في ظل استمرار تلك التظاهرات، وما رافقها من تطورات، تمثلت في سقوط ضحايا أبرياء وحرق مؤسسات وأماكن خاصة وعامة من قبل فئات محددة، وكثرة الجدل حول مدى مشروعية تلك الأفعال وعدم مشروعيتها. فلابد هنا من السؤال، عن دور المثقف، ومدى قدرته على اثبات نفسه في ظل وجود فئات تتولى توجيه المتظاهرين من خلال منصات التواصل الاجتماعي، في حين ان المثقف يشارك لا بوصفه مثقفا بل بوصفه موطنا، مثله مثل غيره. الصباح الجديد، استطلعت آراء عدد من الشعراء والمثقفين، حول هذا الموضوع.


المثقف ليس الذي
يمارس الكتابة فقط

عمران العبيدي/ شاعر
تتعرض المجتمعات في حياتها الى احداث مفصلية مهمة ومن الممكن ان يكون لها بصمتها على مستقبله، هذا اذا احسن استخدام هذه الاحداث ووضعها في اطارها الصحيح. ولكي يتمكن المجتمع من الافادة منها بشكل امثل وتوجيه بوصلتها بالاتجاه الصحيح يتطلب الامر مشاركة مجتمعية عامة تكون تحت تأثير النخبة . يعد المثقف هو احد اركان اي حراك يطلب التجديد ولكي يكون المثقف مساهما فاعلا عليه اولا ان يغادر صفته الشفاهية ويكون حاضرا فعليا من خلال الابتعاد عن التنظير والدخول في صلب ذلك الحراك ليلقي بتأثيراته على من حوله. نعم التنظير مهم ولكن لابد من ان يكون قرين الفعل الحقيقي المتمثل بالحضور في قلب الحدث . في اي حراك تختلط الكثير من الامور ويكون جاذبا للعديد من شرائح المجتمع بعضها انفعالي وبعضها له الرغبة في تقديم شيء لكنه لا يعي ما يفعل. هنا يبرز دور المثقف بالتوجيه ، والمثقف الذي نقصده ليس ذلك الرجل الذي يمارس فعل الكتابة الادبية فحسب، فرجل القانون ورجل الاقتصاد والمعلم والطبيب واخرين كلهم في اطار يمكن لهم ان يكونوا أضواءً لحركة عامة الناس. من هنا يتجلى الحضور الفاعل وأهميته من أجل اتساع رقعة المعرفة بالأهداف والمقاصد من اي حراك وهذا ما نلاحظه اليوم من مشاركة فاعلة للمثقف في التظاهرات التشرينية في العراق.

المثقف العراقي عليه
ان ينحاز لوطنه وشعبه

هادي الحسيني/ شاعر
في كل ثورات وانتفاضات دول العالم ومنذ القدم ثمة دور مهم وحيوي للمثقف الوطني والحريص على العدالة الاجتماعية، فعندما يكتب المثقف في العراق مؤيدا لثورة شعبه المنتفض وهو يوجه ارشاداته ومقالاته وقصائده سواء في الصحافة او مواقع التواصل الاجتماعي موجها الشباب الثائر ضد الظلم والفساد والدكتاتوريات والقمع والقتل ومصادرة الحريات وسرقة ثروات البلاد كما موجود في العراق وطننا الذي تحرر من نظام دكتاتوري شمولي هو نظام البعث القمعي ليقع في نظام متعدد الدكتاتوريات ومتفاوتة في تدميرها للبلاد، وعدا عن ذلك غياب سلطة الدولة والقانون في بلد اسس وشرع اولى القوانين في العالم قبل آلاف السنين. الأحزاب العراقية الحاكمة لها ميليشيات خارجة عن السلطة استخدمت هذه الميلشيات بقتل المتظاهرين الأبرياء السلميين في ساحات الانتفاضة في بغداد والناصرية والبصرة وكربلاء ومدن الجنوب الاخرى. وبعد ان اصبح ما بين الحكومة والبرلمان والاحزاب من جهة والشعب المنتفض من جهة اخرى بعض الاصلاحات وتقديم الفاسدين للقضاء فأضافوا لها دماء شبابنا البريء الذي وصل عددهم الى اكثر من 400 شهيد واكثر من 3 آلاف معاق وآلاف الجرحى وهذه الاعداد اقل من الاحصائيات الحقيقية مع العلم ان ارقام الضحايا هذه عادة ما تكون في الحروب ما بين دولتين ! وامام صمت دولي مخزي وحكومي متعمد . المثقف العراقي عليه ان ينحاز لوطنه وشعبه وان فعل الكلمة هو اشبه بفعل الرصاصة داخل المعركة ، الكلمة هي موقف والكلمة هي شرف الانسان ، وبالكلمة نستطيع ان نغير الكثير من الاشياء فما بالك ان توجه لشعب عانى ما فيه الكفاية من الظلم والتهميش والموت والفقر والخوف والضياع ، الجميع يرفع العلم ويبحث عن وطنه العراق والسياسي العراقي يعقد الصفقات من أجل زيادة رصيده في بنوك العالم على حساب الفقراء .. اسناد المثقف لشعبه واجب وطني لا بد منه وهناك الكثير من الأمثلة في الثورة الفرنسية وثورات في دول اخرى ، اليوم المستقبل للشباب الواعي الذي قاد ثورة جبارة في العراق مازالت مشتعلة وتقدم التضحيات الجسام . على المثقف ان يكرس كل طاقاته في الكتابة والمشاعر والفكر كلها من أجل نصرة المنتفضين الأحرار الذين سيعيدون كرامة بلاد مسلوبة منذ عقود من الزمن تعاقبت الأنظمة على سلبه وتدميره وتبديد ثرواته ..

ان ادور المثقف العراقي في الخارج بالمحصلة حاول ايصال صوت المتظاهر

هلال كوتا/ شاعر
تنوع دور المثقف العراقي في الخارج مع التظاهرات التي تشهدها البلاد مثلما تنوعت أدوار مثقفي الداخل ولكن مع اختلاف بسيط . واستطيع حصر هكذا دور بكل حيادية وموضوعية ، فهنالك ثلاثة اصناف للمثقف العراقي في الخارج ، منهم المثقف الرافض للعملية السياسية ولكن يهمه مصلحة البلد والشعب ويتمنى العودة له او اصلاح شأنه ، وهو هنا تعاطف بشكل كبير مع التظاهرات واوصل صوت الشباب للمحافل الدولية – شأن باقي الاصناف الاخرى- وهنا اخذ الامر بعاطفة اكبر لما يشاهده من عمليات قمع ومشاهد عبر وسائل التواصل وإن كان بعضها قديما يعود لحقبة داعش او حقيقيا بنصف الحقيقة. واما الصنف الثاني فهو غير المؤمن بالعملية السياسية ويحاول تأجيج الوضع اكثر ويروج الى ما هو اكثر من الحقيقة لان وضعه في الخارج مؤمن ولا يهمه مصلحة البلد بقدر ما تهمه الفوضى لأنه لا يؤمن بعراق ما بعد 2003 ولا يؤمن برموز وشخوص وشعب له فكر جديد ، وهذا النوع همه كله اشعال اكبر قدر من النيران لتبقى فكر مغادرة البلاد صائبة بنظره وقد يعتاش هناك على هكذا ازمات قد تؤمّن مكوثه مدة اطول. اما الصنف الثالث والاخير – وازعم انني منهم – فهو من تعامل مع الوضع بموضوعية لان الصورة قد تصل ضبابية وتحتاج الى تمحيص لان دوره مختلف ويمتلك وما يُنشر لا يُمثل الحقيقة كاملة ولا يعرف مديات وابعاد القضية وغير مؤمن بكل ما ينشر فهو لديه وسائل ربما لا يستطيع الاخر اقناعه بالانجراف بها ، ودوره يقتصر على مراقبة الوضع واعطاء ارشادات من شأنها حقن دماء واخذ حقوق بأقل خسارة ويتعامل مع الوضع بمهنية فلا احد يفرض عليها اجندة ، وهذا النوع مؤمن بالشعب ومُدرك للتقصير الذي اشترك فيه الجميع من سياسيين وقوى عظمى ودول اقليمية . بين هذه الاصناف ووفقا لها ، عُقدت الكثير من الندوات وحلقات النقاش ولكنها بالمحصلة تبقى حبيسة صفحات التواصل والمواقع الاخبارية والكلمة الفيصل تبقى للشارع العراقي والمتظاهر المرابط في ساحات الاعتصام ، كما ان ادور المثقف العراقي في الخارج بالمحصلة حاول ايصال صوت المتظاهر ولكن وفق قناعته هو لا وفق ما يريده الشارع العراقي ولكن تبقى حسنته الوحيدة انه حاول ايصال الصوت للعالم في ظل وجود قطوعات للأنترنت وحجب مواقع التواصل.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة