الجدل البيزنطي!

في الوقت الذي يشهد العالم تطوراً سريعاً في جميع مناحي الحياة ، وتجتهد مراكز البحث والتكنلوجيا على ادخال احدث التقنيات والابتكارات والوسائل والادوات في كافة تفاصيل حياتنا ، وتكون جزءاً لايتجزأ منه ، مازال البعض عندنا يعيش نطاق خارج الخدمة ، ويغرد على ليلاه بعيداً عن مايدور من حوله ، كإنه يعيش في جلباب جده السادس عشر!
تناقضات كثيرة بين من يعمل من أجل الإبتكار والإبداع والإستثمار والتطور ، ليفرض عليك منتجاً تجارياً أو سلعة أستهلاكية أو عملاً فنياً مقابل ثمن ، كمالية كانت أو حاجة تقتضيها الضرورة لاقتنائها وغير ذلك ، في مقابل كل ذلك .. هناك من يفرض عليك رأياً أو حديثاً أو تصريحاً ،أونقاشاً أو حواراً مزعجاً بائساً لايُسمن ولايُغني من جوع ، فان ذلك يكون أشد وطئاً علينا ، رغم انه يقدم ” مجانياً “لايكلفنا شيئاً، لكنه قد يكون “باهض” الثمن في أحيان كثيرة لانه يسهم في تدمير الدفاعات المناعية لإعصابك ، يرفع ضغط الدم ويصيبك بالسكري
لاسامح الله !
ربما انه “قدر ومكتوب ” ان نشهد شريحة تعشق وتستمتع بالجدل والنقاش العقيم ، يفوق ما وصفه البعض ب”الجدل البيزنطي ” !
الكثير من ممن يدخلون في سباق “الجدل” لايعرفون عن هذا الوصف شيئاً ، وربما أنهم لايعرفون ان التاريخ يعيد نفسه ، فالبلاد تواجه تحديات كثيرة ، بينما ينشغل الكثير من “ساسته ” في “الجدال ” والمساجلات ، كما كان يحدث عندما حاصر السلطان العثماني محمد الفاتح الامبراطورية البيزنطينة بهدف أسقاطها والسيطرة عليها ، بينما كان البيزنطيين يواصلون جدالهم ونقاشتهم الدينية والسياسية ، وأنتقادهم وتكفريهم بعضهم للبعض الآخر، بينما البلاد تواجه الانهيار !
هؤلاء مثلهم كمثل لم يقرأوا كتاباً أو مجلة ولم ينظروا أو يتأملوا في لوحة فنية ،ولم يستمتعوا بمشاهدة منظر طبيعي ، او يستمعوا الى موسيقى شرقية كانت أم غربية !
يقال ، خرج رجلان معاً للصيد ، فشاهدا سواداً من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : إن هذا السواد البعيد غراب ، وقال صديقه الثاني : لا إنها عنزة ، وأصر كل منهما على رأيه بشكل قاطع ..
فقام الرجلان بالتحرك في اتجاه هذا الشيء الأسود ، حتى اقتربا جداً منه ، فإذا بهذا الشيء الأسود غراب وقام بالطيران خوفاً منهما ، وحين طيرانه أفزعهما أيضًا ، فولى كلاهما هاربين ، وأثناء جريهما بعيداً ، قال الرجل الأول لصديقه : أرأيت ، ألم أقل لك من البداية ان هذا الشيء الأسود الذي رأيناه غراب ؟
فرد عليه الآخر بإصرار وقال : عنزة ولو طارت ، وقد صارت جملته عنزة ولو طارت ، مثَل توارثته الأجيال ، حيث أنه يتردد هذا المثَل ، حينما بقال للحمقى الذين يتشبثون برأيهم الخاطئ ، ولا يتراجعون عنه أبداً ، حتى إذا ظهر دليل قاطع لخطأهم .

• ضوء
الموت وحده يوقف “لسان ” صاحبه عن الجدال !

عاصم جهاد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة