(إنانا والنباش!) جديد الروائي الصحفي سالم بخشي

عدنان القريشي

عن دار ضفاف للطباعة والنشر والتوزيع، صدرت رواية (إنانا والنباش!) للأديب والصحفي والفنان العراقي، سالم بخشي. وهي رواية تجريبية شائقة، تتناول الثيمة الرئيسة فيها، مسألة الصراع الأزلي بين الخير والشر.. الشر المتمثل بالشيطان وأعوانه من الإنس والجن من طرف. والخير المتمثل بالإنسان الصالح وأعوانه من طرف مقابل.
بينت الرواية موقف الانسان عبر التاريخ من هذا الصراع، والذي تجلى بثلاث مستويات. الأول: الموقف المثالي الذي يمثله الانسان الصالح والذي عبر عنه الروائي من خلال شخصيتيّ، العبد الصالح الخضر، وسيد علي صاحب مكتب الدفن في مدينة النجف. والمستوى الثاني: الموقف الوسطي والمتذبذب أحيانا لكنه في الغالب يميل بالفطرة السليمة نحو الخير ويمقت الشر، وقد جسده عبر شخصيات أبو صالح، وأم حكيم، عواد، رغد… أما المستوى الثالث: فهو النموذج السلبي المتخاذل والذي يمكن أن تصل به درجة السقوط حدًا يمكن خلالها أن يبيع روحه للشيطان بشكل كامل، وقد عبر عن هذا النموذج من خلال عبدول وأصدقائه في مديرية الأمن العامة في بغداد. هذا بالنسبة للثيمة الرئيسة وهناك ثيمات ثانوية أخرى لا تقل أهمية وروعة عن الثيمة الرئيسة فيها.
تقع الرواية في ثلاثة عشر فصلًا، والسرد فيها على مستويين:
1 – المستوى الواقعي المتخيل، بطريقة السرد الذاتي -المنولوج-تمثله عدة شخصيات رئيسة في الرواية (أم حكيم الثكلى، رغد عبدول البطة، المجنون عواد الفراري…). والزمن فيها مفتوح.
2 – المستوى الخيالي الساحر، بطريقة السارد العليم، تمثله شخصيات خيالية (المخلوقة العجائبية إنانا العراقية، الشيطان الرجيم، المسخ نباش القبور، الخضر عليه السلام…). والزمن فيها دائري.
الرواية مفعمة بعناصرها الحية، وتأويلاتها البعيدة المباشرة أحيانًا وغير المباشرة في أكثر الأحيان، وقدرتها على تحفيز الذهن وإثارة التساؤلات، بلغة سردية تجريبية غير مألوفة، بطريقة السهل الممتنع إن جاز التعبير. وهي مهمة أعلن عنها سالم بخشي منذ كتاباته الأولى، وقد نجح إلى حد كبير في تطويع اللغة الصحفية السلسة، وإدخالها في عالم السرد الروائي؛ لإيجاد صلة مباشرة بين الكاتب والمتلقي البسيط، وكسر الحاجز النفسي بينهما.
نجح الكاتب في خلق مشاهد خلفية كبيرة من محض الخيال، كمملكة الشيطان الأرضية، وتمكن من تصويرها ببراعة مذهلة؛ كأنه أحد المهندسين المشرفين على البناء، والتي جرت فيها أحداث درامية كبيرة تليق بمستواها السردي الرفيع. كذلك مشاهد صحراء الربع الخالي، الذي شهد المطاردة المثيرة في الرواية بين الشيطان الرجيم (والذي رمز الكاتب من خلاله إلى الاحتلال الأمريكي البغيض)، وإنانا العراقية (إلهة الحب والحرب والجمال السومرية) تلك المرأة خارقة الجمال التي كسبت تعاطفنا وشعرنا معها بحرارة الصحراء التي تجاوزت الخمسين درجة مئوية وهي تخوض في الرمال الذي غطى جسدها وشعرها المنساب خلفها كالشلال كما وصفها الروائي الساحر.
اللقطة السينمائية، القصيدة الشعرية، اللوحة الفنية، وعناصر أخرى ساحرة، تجدها كلها قد حشدها الكاتب ببراعة لافتة بما يخدم الثيمة الرئيسة ومن دون ترهل أو خروج عن النسق الحكائي العام في روايته. رواية يتوقع لها أن تثير جدلًا طويلًا؛ شأنها شأن الأعمال الابداعية الكبيرة، شرط تسويقها بالطريقة التي تستحقها، وتليق بكاتبها القدير.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة