القرامطة والعدالة الاجتماعية ….

ياسر جاسم قاسم
باسل محمد عبد الكريم

في البدء نقدم شكرنا وتقديرنا للاستاذ الناقد الاديب شكيب كاظم على الالتفاتة الكريمة التي شمل بها كتابنا الموسوم «القرامطة والعدالة الاجتماعية « واذ نشكره على جملة الملاحظات التي قدمها عن الكتاب والتي عنونها «مناقشة هادئة مع ياسر جاسم قاسم وباسل محمد عبد الكريم « والتي نشرها مشكورا في صحيفة الصباح الجديد ملحق زاد الثقافي بتاريخ 11/7/2019 وعملا بحق الرد الهادئ على مقاله انف الذكر نقول :
ان (العدالة الاجتماعية )هو الفريضة الغائبة عن المؤسسة الاسلامية منذ بزوغ فجر الاسلام وحتى زمننا الحاضر الا من اسماء حفرت لها في التاريخ مكانة وفي الذاكرة اسماء لن تزيلها الايام، عالجت موضوع العدالة الاجتماعية ورهنت ارواحها لها ، وعلى رأسها ابي ذر الغفاري الذي دفع حياته ثمنا لمعارضته السلطة انذاك وتصرفها باموال الناس دون رضاها ، لقد كنا منقبين امام اغلب التشويهات التي ارتكبت تجاه الحركات الاجتماعية والشخوص الذين ناضلوا من اجل عدالة اجتماعية ارضية وليست سماوية من سبارتاكوس وكريكسوس واغنيكيوس وانيميوس محرري عبيد روما والذين وقفوا بوجه السلطة الرومانية الطاغية وناضلوا من اجل تحقييق الحرية لهم حتى حركة القرامطة وهنا لا بد ان نقول ان بحثنا حول القرامطة كان عبارة عن مغامرة كبيرة لان اغلب ما وصلنا من مؤرخي السلطة هو تشويهات ومغالطات حولهم ولا ننسى ان اغلب الرموز التي كانت تبحث عن عدالة اجتماعية وحرية حقيقية في الفكر والعقيدة اتهمت بالزندقة والكفر من قبل التحالف غير المقدس بين (السلطة، الفقيه، المؤرخ) الثلاثي الذي احكم قبضته على التاريخ العربي الاسلامي عبر العصور وذهب نتيجة هذا التحالف مجموعة من الاسماء التي اتهمت ودفعت حياتها ثمنا لهذه التهم نتيجة مطالبتها بالحرية الفكرية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : ابن المقفع، ابن الراوندي، صالح بن عبد القدوس، عبد الكريم بن ابي العوجاء، وبشار بن برد وغيرهم كثير اما شهداء الفكر والحرية الذين انحازوا للطبقات المسحوقة المحرومة / طبقات الجياع الذين كانوا يحلمون بالعدالة الاجتماعية ، فهؤلاء شكلوا مفصلا تاريخيا مهما في تاريخ الجياع في العالم لانهم امنوا بالعدالة الاجتماعية ، فهذا الحلاج قتل وصلب ونودي عليه في بغداد» هذا احد القرامطة فاعرفوه» ونحن اليوم اذ ننتصر لثورة القرامطة انما ننتصر لتلك المرأة التي وصفها الطبري عشية قيام ثورتهم وهي تسير خلف قافلة محملة باجود انواع التمور وهي تلتقط الحشف (التمر اليابس) المتساقط من تلك القافلة !!
نحن ننتصر لكل اولئك العمال والفلاحين الجياع الذين كانت تتحكم بهم الطبقات البرجوازية الاقطاعية في زمن الدولة العباسية والتي تحدث عن طغيانها باسهاب العلامة عبد العزيز الدوري في كتابه : تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري.
العدالة الاجتماعية هي الحلم (يوتوبيا )لحركات النضال الاجتماعي التي تبنت هذا المفهوم ف(غاندي) كان يبحث عن العدالة الاجتماعية لتحقيقها لملايين المضطهدين الهنود وكذلك(مانديلا) ففكرة العالم المثالي والفردوس الارضي هي فكرة راودت الانسان منذ افلاطون الى القرامطة وحتى اليوم مرورا بالفارابي وغيرهم ممن نادى بالعدالة ، ولكي تكون هنالك عدالة اجتماعية يجب ان يوضع حد لسلطة الاغنياء على الفقراء وان تشجع الصناعات ويدعم الفلاح وهذا ما اراده حمدان قرمط الشخصية الاشكالوية ،فالقرامطة عملوا على منهج عدالة كبيرة تلخص في انتزاع العمال والفلاحين راس المال من الدولة واضحى الحكم بايديهم وتمت تنمية اهل الصناعات بسرعة كبيرة ودعم نتاجهم، وقد تمثلت العدالة الاجتماعية في القرامطة في اهم الفئات التي حوتهم الحركة اذ شملت:
1 – الفلاحون النبط في منطقة البطيحة اذ يقول عليان» كان النبطيون يريدون ان يتمتعوا بما في هذا العالم من خيرات وحين وعدهم حمدان بامتلاك العالم دون منازع عمل ذلك الامل في نفوسهم عمل السحر واخذوا ينضمون لدعوته زرافات ووحدانا»
2 – الزنوج المجندين لاعمال السخرة في البصرة .
3 – الزط وهم فقراء الهنود وكانوا فلاحين.
4 – الكرد المضطهدين من قبل الترك والفرس والعباسيين
5 – العرب الفقراء في الجيش العباسي
6 – البدو/الاعراب
لقد ساعد تنظيم حمدان قرمط لان تكون الارض بأسرها للفلاحين دون غيرهم حتى انه لم يبق بينهم فقير ولا محتاج وهذا ما حدا ب (لويس ماسنيون) الى القول: ان القرامطة حركة اصلاحية شاملة كانت ترمي الى ايجاد مجتمع يتمتع بالرخاء التام
لقد شكلت كل هذه الفئات في انضمامها للقرامطة حركة اجتماعية من المسحوقين والمضطهدين بوجه التسلط والامتيازات.
اذ كانت الحركة تحث الخطى نحو نظام ذي ملمح اشتراكي جنيني وليس اشتراكي بالمعنى المعاصر
اذ اكد الباحث الدكتور عبد اللطيف الراوي «ان حركة القرامطة وثوراتهم ودولتهم تتبع نظاما اقتصاديا حاذقا يمتلك اسسا اشتراكية واضحة وقد طبق القرامطة في العراق « اشتراكية تامة يعطى فيها لكل فرد حسب حاجته بينما يكون مركزه الاجتماعي مناسبا مع خدماته» _(دراسات في العصور العباسية المتاخرة ، عبد العزيز الدوري ، نقلا عن الراوي) .
وهنا فان المؤرخ المنصف يشير الى ان النظام الذي عملت عليه الحركة هو نظام اجتماعي فريد اذ حول حمدان من اتبعه الى متحكم في الارض بدلا من الدولة واصبح الفلاح هو المنتج المباشر وليس الطبقة البيروقراطية الحاكمة
وهكذا انتصر حمدان قرمط بعدما راى ان في الامة طبقة محكومة محرومة جائعة ليس لها على الدولة شيء ، وعليها واجب الطاعة ، دفع الضرائب واحتمال المصاعب وطبقة حاكمة تتحكم على هواها بالناس ، باقواتهم ورقابهم تتالف من الخليفة وبطانته ورجال الدين ومجموعة من الشعراء والكتاب والمؤرخين المختصين بالسلطة ، وكان كل هؤلاء يتمتعون بالجواري والغلمان والخمر والغناء والشعر والنساء والقنص واللعب والاحتفالات الماجنة وبات لكبار رجال الدولة العباسية وغلمانهم وجواريهم مرتبات وحق في اموال الدولة كما علينا معرفة ان رواتب الطبقات الحاكمة كانت مرتبات عالية جدا ورواتب صغار الموظفين متواضعة اذ كان لكل موظف كمية من الدخل تتناسب مع كمية السلطة التي يحظى بها، واحيل القارئ الكريم الى كتابنا الموسوم «القرامطة والعدالة الاجتماعية « الصادر عن دار ضفاف /بغداد/2018لينظر التفاوت الطبقي المريع الذي كانت تستخدمه الدولة العباسية وهكذا وفي ضوء «نمط الانتاج الاسيوي» تفاقمت الاحوال الاجتماعية للمجتمعات ابان حكم العباسيين وسيطرت الطبقات البيروقراطية الحاكمة على مجمل الاراضي الزراعية واتسعت الهوة بين الطبقات وبلغ التناقض الاجتماعي مداه فوجدت هنا الدعوة القرمطية تربة صالحة بين جمهرة الفلاحين وارقاء الارض وكذلك كان حال الحرفيون والعمال في المدن فقد وقعوا في دائرة استغلال اصحاب الاعمال حيث هجر اغلب الفلاحين أراضيهم وتوجهوا نحو المدن بسبب سوء حالهم ، واستولى جهاز الدولة على الفائض من نتاج الفلاحين كما اشرنا اما على صورة «السخرة» او على شكل جزية»خراج» وللموظفين البيروقراطيين جزء من هذه الجزية ، ثم يتحول جزء منها الى مادة للمقايضة لسد احتياجات الحكام من الكماليات، وبهذا يكون جهاز الدولة محتكرا للتجارة الخارجية ، كلها تقريبا، اذ انه هو الوحيد الذي يملك فائضا يتاجر به ، فالفلاح لا يملك هذا الفائض بل تمتلكه طبقة القواد الكبار والوزراء وغيرهم ممن اشرنا اليهم. ان نظام العبودية المعممة الذي اشرنا اليه لا يسمح بتراكم الفائض من الانتاج في ايدي الطبقة المنتجة وعليه ف التجارة الداخلية تكاد تكون منعدمة كذلك بسبب الاكتفاء الذاتي للمشتركات القروية ، واسلوب التعامل السلعي يبقى محصورا في نقط محدودة وقليلة على الحدود والشواطئ ،وهي في الوقت نفسه مخافر امامية للجيش ومراكز جمركية يدفع فيها الرسوم والضرائب على المنتجات التي يجلبونها .
واخيرا في تقديمه للكتاب عن القرامطة يقول الاستاذ باسل محمد عبد الكريم ( حلما ظل يراودني طيلة اربعة عقود من الزمن ان اعيد قراءة هذه الحركة الثورية المبكرة واسلط الضوء على شخصية حمدان بن الاشعث «حمدان قرمط» هذه الشخصية الاشكالوية ، ان اتأمله ، ان احاوره، ان اكتب عنه، ان ارنو اليه، وهو يصوغ اللبنات الاولى للحركة، متلفعا بالقلق، حاملا بين اصابعه جمر الحقيقة ، يحدوه الامل لان يترك بصمته مع الثوار الذين سبقوه والذين سيأتون من بعده، ان يحفر تضاريس الارض التي عاش عليها ، وان يزرع وان يثمر).
نجدد شكرنا وتقديرنا للاستاذ شكيب كاظم على سعة صدره وجملة ملاحظاته.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة