«Good MORNING» لبهيج حجيج ، يتجاوز أزمة العجز المالي ويقدم فلما مميزا بمضامين إنسانية واجتماعية

لمى طيارة – بيروت :

تعاني السينما اللبنانية كما تعاني مثيلاتها في العالم العربي من العجز التمويلي، ولكن تبقى هناك محاولات من هنا وهناك لإنجاز أفلام سينمائية بميزانيات معقولة ، أو على الأقل بميزانيات يمكن تحملها ، ورغم ان تلك الأفلام تشير بالبنان الى نفسها وإلى محدودية ميزانيتها، الا انها على جانب آخر أفلاما تحمل مضامين إنسانية وربما اجتماعية ، لا تقل أهمية عن تلك الأفلام التي تتجاوز ميزانيتها مئات الألوف من الدولارات ، من تلك الأفلام ، يأتي فيلم بهيج حجيج الجديد «غود مورنيغ» صباح الخير .
يعتبر فيلم غود مورنينع ، الفيلم الروائي الطويل الثالث للمخرج بهيج حجيج ، بعد فيلميه (شتي يا دني 2010 ، الذي حصل على عدة جوائز ، من أهمها جائزة الاخراج في مهرجان دبي ، وفيلم زنار النار 2004) ، ولكن فيلم غود مورنينغ الذي يعرض حالياَ في صالات السينما اللبنانية ، وتوج منذ ايام بجائزتين في مهرجان الرباط لسينما المؤلف، ( جائزة السيناريو ، وجائزة أفضل تمثيل لبطلي الفيلم) ، سيعاني حتما من أفول الجمهور اللبناني ، الذي مازال كغيره من الجمهور يبحث عن الترفيه والمتعة والأكشن ، ويبتعد كل البعد عن الأفلام التي تطرح قضايا إنسانية مهما كانت بسيطة.
تدور أحداث الفيلم في مقهى لبناني ، حول ، صديقين قديمين ، متقدمين في العمر ، أحدهما جنرال متقاعد يلعب دوره عادل شاهين ، بينما الآخر طبيب متقاعد يلعب دوره غبريل يمين ، في رحلة بحثهما عن طريقة لتفادي الاصابة بمرض فقدان الذاكرة أو ما يعرف (بالزهايمر) ، وفي سبيل ذلك يسعيان كل يوم في الحصول على الصحف المتنوعة ، لحل الكلمات المتقاطعة في سبيل تنشيط الذاكرة ، ويبدو أنهما زبونين معتادين لتلك القهوة منذ سنوات ، بحيث تآلفت معهم ، لدرجة انهما أصبحا جزءا من المكان، ليس هذه فحسب ، بل ان الجنرال غالباً ما يعتقد نفسه صاحب المكان، فيقوم بمخاطبة رواده وإلقاء النكات عليهم كنوع من الدعابة ، سواء كانت دعابة مستحبة أو مستهجنة لدى البعض .
تتيح هذه المقهى عبر واجهتها الزجاجية فسحة كبيرة للنظر ولمراقبة تحركات الناس، من قبل العجوزين ، اللذين لم يعد لديهما ما يشغلهما بشكل جدي، حتى ان الشاشة التلفزيونية التي وضعت في منتصف المقهى وتبث نشرات الأخبار المعتادة عما يحدث في العالم ولبنان تحديداُ (حادثة الضاحية في جنوب بيروت ) ، لم تعد ذات اهتمام بالنسبة لهما ، بقدر ما كان همهما حقيقة البحث عن طريقة للتسلية وخصوصا إنهما رجلين قادمين من بيئة اجتماعية مرتاحة مادياً الى حد ما ، كما يؤكد الفيلم (لكل منهما سائق) ، في إشارة من اصحاب الفيلم وربما مصادفة الى من يسمون (بحزب الكنبة) ، حيث تصبح الاحداث التي تدور حولنا أو حتى بقربنا مجرد أخبار عابرة على التلفزيون ، بينما تقتصر اهتماماتنا على ما هو ربما تافه أو غير هام ، كمراقبة الناس والتوقع لهم.
والى جانب هذين المتقاعدين ، هناك من رواد المقهى شاب في مقتبل العمر، يلعب دوره رودريك سليمان ، وهو لطالما يساندهما في حال سقطت منهما معلومة ، بينما نادلة المقهى غنوة ، التي تلعب دورها الممثلة الشابة مايا داهر في أول ظهور فني لها ، فلقد اصبحت على علاقة وطيدة بهما لدرجة انها اصبحت تعرف طلباتهم حتى قبل ان يطلبوها، وهي في الوقت ذاته تستقطب الزبون الشاب الذي سيقع في حبها مع نهاية الفيلم .
ورغم ان المخرج استطاع ان يحصر مكان التصوير بالمقهى ، واستفاد بشكل جيد من استثمار الواجهة الزجاجية التي اتاحت بدورها تصوير ما يحصل في الخارج، إلا ان المشاهد سيتساءل ، هل تلك المشاهد الخارجية جاءت عفوية ونسج السيناريو عليها ، أم انها مشاهد تفصيلية تمت كتابتها والتحكم بها لتظهر على تلك الشاكلة العفوية ، مهما كانت الطريقة أو الأسلوب فإن المخرج كان موفقاً فيها ، الا ان العيب الوحيد الذي كان واضحا هو ضيق المكان الداخلي بحيث لم يتمكن المخرج من الحصول على كافة الزوايا المناسبة للتصوير وحركة الكاميرا .
وفيلم غود مورنينغ ، عمل كتب قصته رشيد الضعيف الروائي والكاتب اللبناني ، الذي يمتلك العشرات من الأعمال الروائية الهامة التي ترجمت الى عدة لغات أجنيبة، ولكن المخرج بهيج حجيج الذي التقته العرب في العرض الافتتاحي للفيلم ، أكد انه هذه المرة لم يستند الى رواية جاهزة من روايات رشيد ضعيف ، كما فعل في تجربته الأولى معه في فيلمه (زنار النار) ، بل أعتمد على رواية كتبها ضعيف هذه المرة خصيصاً لأجل الفيلم، بينما قام برفقته بإعادة كتابة السيناريو، بما يتناسب مع شريط سينمائي.
ما يشد الى الفيلم حقيقة ـ هو تلك الحبكة الفنية المتميزة التي استطاع مخرج الفيلم الى جانب كاتب العمل ، توليفها كسيناريو وحوار ، ورغم انهما اعتمدا على مبدأ تقسيم الفيلم الى مشاهد عنونت في بداية كل منها، وهي طريقة غالبا ما يستخدمها الرواة في كتابة روايتهم، حين يقسمونها الى فصول ، ولقد فعل ذلك رشيد ضعيف في روايته الاشهر (ألواح) ، الا انها كانت سلاحاً ذو حدين، لأنها كانت تشير سلفاً إلى ما سيتابعه المشاهد ، لكنها من ناحية تانية قد تكون مقصوده لتوجيه المشاهد إلى ما سيشاهده .
غود مورنينغ فيلم من أنتاج كل من بهيج حجيج وسام لحود وديغول عيد ، وبدعم من قبل وزارة الثقافة اللبنانية ، ومؤسسة آفاق ، وسيعرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن مسابقة أفاق العربية .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة