لا شك ان الفرق الشاسع بين الامكانية العالية المتوفرة لدى السينمائيون العالميون والسينمائيين العراقيين هو فرق لا يمكن الغاؤه او تجاوزه بسهولة، فالوسائل التي تتوفر لهم، تقنية وفنية وبشرية، لا يمكن توفيرها لسينمائينا بسهولة، والاسباب واضحة للجميع ولطالما ذكرت في العديد من النقاشات والندوات التي تعقد لمناقشة واقع السينما العراقية، فبناء استوديوهات حديثة امر لا يتم بين ليلية وضحاها، وكذلك استيراد الاجهزة الفنية المتطورة، والاهم توفر النية الصادقة للقيام بذلك!
في لقاء لي بأحد المخرجين السينمائيين العراقيين مؤخرا، اعرب لي هذا المخرج عن شعوره بالإحباط الشديد كلما شاهد فيلما عالميا، خصوصا تلك الافلام التي تتوفر على استخدام عال للتقنيات الحديثة على مستوى الصوت والصورة، وكذلل التقنيات المتعلقة بفن الجرافيك وغيرها، وايضا الاداء العالي للممثلين سواء النجوم او اولئك الذين يعلبون أدوارا ثانوية فيها، وحين سالته عن السبب اجاب بانه كلما شاهد تلك الافلام يشعر بالفارق الكبير بين ما وصلت اليه السينما العالمية من تطور على مختلف الصعد وبين واقع السينما العراقية، وبات من غير الممكن حتى على المدى البعيد اللحاق بركب هذه السينما ،واعتقد ان صديقي المخرج محق في ذلك وان حزنه وخيبة امله ناتج عن الواقع المرير للسينما العراقية، فهل يعقل ان دور العرض السينمائي العراقي او المتبقي منها وصل الى هذه الحال، وهل يعي احد من المسؤولين عن النهوض بالسينما العراقية الحاجة الماسة الى وجود أجهزة السينما الحديثة من كاميرات متطورة واجهزة اضاءة ومونتاج، وهل يوجد لدينا كتاب سناريو متخصصون بالكتابة للسينما ومخرجون بارعون وممثلون محترفون يفهمون الفرق بين ان تمثل للمسرح او للتلفزيون وبين ان تمثل للسينما، وماه و واقع الحال بالنسبة الى التقنيين والفنيين وهل باستطاعتهم التعامل مع الاجهزة الفنية الحديثة ،خصوصا ان هذه التقنية اصبحت العمود الفقري للكثير من الافلام ، وربما ساهمت الى حد كبير في نجاحها والاقبال الجماهيري الكبير لمشاهدتها، كذلك ساهمت في تخفيض كلف انتاج العديد منها، من خلال صنع مشاهد كبيرة وهائلة بواسطة الحاسوب وعدم الحاجة الى بناء ديكورات ضخمة كما كان الامر سابقا .
اذن فالأمر يحتاج الى جهد استثنائي على مختلف الصعد وعلى توفر النية الحقيقية للنهوض بالسينما العراقية، حتى يتراجع صديقي المخرج عن قوله ولا يعد يشعر بإحباط شديد، وربما نشهد معه افلاما عراقية روائية او وثائقية بمستوى الافلام المنتجة عالميا ، وتكون لدينا دور عرض تضاهي ما موجود في دول العالم المتقدمة من حيث توفرها على تصاميم عالمية وتقنيات صوت مجسم، وملحقات اخرى غير صالة العرض ، فلم يعد الذهاب الى السينما في العديد من البلدان يقتصر على مشاهدة فيلم سينمائي فقط بل هناك مطاعم وصالات رياضية وكازينوهات مرفقة صالة العرض وهي توفر المتعة والراحة والاسترخاء للمشاهد سواء قبل مشاهدة الفيلم السينمائي او بعده .
ان السينما في دول عدة قد قلصت الفارق بينها وبين سينما هوليوود او السينما الاوربية، فرنسية او انكليزية او المانية وغيرها، والنجاح في ذلك جاء من الجهد المخلص للمشرفين على الحقل السينمائي فيها، والدعم المباشر والمستمر من قبل الدولة للإنتاج السينمائي في كل مفاصله. بعض هذه الدول وصلت بإنتاجها السينمائي الى مصاف العالمية وباتت تنافس الدول المتقدة في ذلك، وتشهد المهرجانات السينمائية والتي تقام في مختلف دول العالم منافسة شديدة بين سينما هوليوود وبين سينما الدول الاخرى، وبقياس المستويات نجد ان بعض الدول ربما تكون قد تخطت في جانب معين دول لها باع طويل في الصنعة السينمائية بدليل فوزها بأهم جوائز هذه المهرجانات. وهذا الامر لم يأتي اعتباطا او ضربة حظ لهذا الفيلم او ذاك، بل بوضع دراسات وخطط بعيدة الامد والنجاح في تنفيذها. ليأتي بعد ذلك قطف ثمار كل ذلك.
هذه الدول لا تتميز عن العراق في شيء محدد، لا من حيث الامكانات المادية او الثقافية، لكنها تتميز بكونها حريصة على ديمومة انتاجها السينمائي ايمانا منها بأهمية السينما ليس كصناعة وفن فقط بل بكونها رافد ثقافي وحضاري يمكن ان يساهم بشك كبير وفاعل في التعريف بالبلد، وتصدير خطابه الفكري والثقافي، منفقة في سبيل تحقيق ذلك اموال طائلة، فلكل شيء ثمنه بالتأكيد، ولا شيء يأتي من فراغ.
أخيرا اتمنى ان لا يكون صديقي المخرج محبط باستمرار، ولكن يبدو ان ما قاله سيضل حاضرا في ذاكرتي انا الاخر كلما شاهدت فيلما سينمائيا مهما. وارجو ان ينتقل ذلك الى بقية المهتمين بالشأن السينمائي العراقي عسى ان يتحرك الجميع ويقلص المسافة بين ما وصلت اليه السينما العالمية وبين واقع السينما العراقية والا فأن اتساع الفارق سيستمر وربما يصبح الحديث عن تقليص تلك المسافة ضربا من الوهم والخيال، ويبقى مستوى السينما العراقية وانتاجها لا يتعدى حدود المحلية، او المشاركة في بعض المهرجانات غير المهمة والضعيفة المشاركة، وهذا ليس طموح سينمائي العراق بكل تأكيد.
كاظم مرشد السلوم