قراءة في رواية ( محطات) للكاتب حميد الحريزي

عبدالرضا صالح محمد

تتعدى اشتغالات الرواية عن كونها وسيلة امتاع للمتلقي، الى ابعد من ذلك، لتكون في انساقها قواعد اخرى، لتكون اداة للتعلم، أو ارشيف ثقافي لرصد الحوادث، وطرح اسبابها واهدافها ونتائجها، وتسجيل لمجمل ما يدور من واقع في الحياة التي نعيشها، ناهيك عما تتضمنه في مضامينها من انواع اخرى، تساهم في تعليل ما يحيط بنا من سلوكيات مجتمعية أو مؤسساتية أو اسرية أو فردية، لتكون مرآة للأجيال اللاحقة.
وتلعب السياسات المتاحة في عالمنا، الى صهر وتغير تلك العقائد وأيديولوجياتها الفرعية بما تفرزه من قيم واحكام وقوانين، بعامل التأثير الجماهيري والمتغيرات الضرورية، فتحدث التغييرات الحزبية والعقائدية، وتتخذ طابعاً مغايراً أو مشابهاً لأصولياتها و موافقهاً ، أو جنوح في بنى العقيدة تحسباً لما يجري في هذه او تلك الساحة من تغيير .
ونرى ذلك واضحاً في جسد الاحزاب الكبيرة العالمية المهيمنة على مساحة واسعة من شعوب العالم، وانتقالها أو تعديلاها لفلسفتها العقائدية ، بما تتطلبه الظروف التي تمر بها، كما هو الحال في انتقال بعض النظم الاشتراكية الى الشيوعية ، وانشقاق حزب البعث الى يمين ويسار وغير ذلك من الأمثلة .
وفي رواية ( محطات) التي جاءت بثلاث اجزاء وهي (العربة) و (كفاح) و (البياض الدامي) والتي يقدم لنا فيها الروائي ( حميد الحريزي ) نضال الحزب الشيوعي في العراق على مدى سبعين عام بدءا من عام 52 حتى سقوط العراق في عام 2003 على يد التحالف الذي تقوده الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
حيث ينطلق بروايته ( محطات/ العربانة ) من وقت احتلال العراق وخروج السجناء من طوامير الطاغية لأهداف تخريبية في البلاد، بعد شعوره بقرب نهايته الفجائعية، يخرج (كفاح) كشاهد على ما يدور في المجتمع العراقي بعد السقوط من أحداث، وهو الأستاذ الجامعي المتخصص في الدراسات الأدبية والشعر، ليروي للجماهير المثقفة في سوق المتنبي عن حياته ونضاله منذ ان كان في الريف.
(( أصوات اطلاقات نارية قذائف ، حرائق، لا وجود لذوي البدلات الزيتونية ، صور القائد محروقة …)) ص 5ج 1
وهكذا يصور لنا حياة عائلة ريفية انتقلت من الريف الى المدينة ، ويقوم الأب (مظلوم) بالعمل كبائع لبلبي في عربه ، ثم ينضم الى الحزب الشيوعي وتتفتح افكاره على مبادئ الحزب فيتعلم القراءة والكتابة ثم يصبح مسؤولاً على احدى مطابع الحزب السرية، ويبقى يعاصر التقلبات الحكومية بدءاً من سقوط الملكية حتى سقوط طاغية العراق. وما رافق ذلك من احداث مؤلمة .
(( دارت رحى الحرب ، شهد الكل ما سببته من تدمير وخراب ، وكانت الهزيمة الكبرى للنظام )) ص18 ج3
بعد ذلك طفح الأصوليون والمنافقون على الساحة وهم من ازلام الحزب المقبور ليكون في الواجهة كوطنيين ومناضلين. فيظهر (حاشوش) و(مريودة) بوجه آخر:
((قدما نفسيهما باسم سيد علوان وعلوية فضيلة يتحدثون للناس عن جهاهم وتضحياتهم …) ص 174 ج 3
ثم تبدأ حقبة أخرى ينال المناضلون فيها من الاغتيالات والتصفية والتغريب ويقع (كفاح) بعد أن نجى من زنازين الظلم والجور، ليكون ضحية الارهاب الذي جاؤوا بهم لهذه المهمة .
((لم يعد « كفاح « يُشاهَد في «المتنبي « … أُفلت من يد الطاغية فنحرته يد الارهاب )) ص 161
ويختم روايته بموافقة قادة الحزب الشيوعي في الانضمام الى البرلمان الذي صنعته قائدة الإمبريالية اميركا، بعد ان فوضت (برايمر) على قمة السلطة في العراق.
(( انطفأ « الوطني « عم الظلام ، تداخلت الأصوات والأشكال ، فتناثرت الصحف واختلطت الصور وتداخلت العناوين … )) ص 191
يبقى أن نشير الى أن الكاتب (الحريزي) قد ابلى وبجدية واضحة في سرد هذه الرواية التي تعتمد على مصادة كثيرة، وتقع بثلاثة اجزاء، حيث قدم فيها صوراً رائعة لنضال الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين، بأسلوب متقن ولغة واضحة تجمع ما بين العامية والفصحى

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة