المفتش العام.. بين الجدل والعمل

الحراك البرلماني الاخير حول إلغاء مكاتب المفتشين العموميين، يثير العديد من الاسئلة حول دوافعه، وهل ان الباعث الدافع له هو المصلحة العامة للدولة ام لمصلحة سياسية تخص الكتل والأحزاب؟ فسائرون، إحدى أهم الكتل السياسية، تقف مع فكرة الالغاء وتضع مبررات لفكرة الالغاء، ومن تلك المبررات ما هو صحيح وحقيقي، خصوصا ان تجربة المفتش العام بالمجمل ليست ناجحة. ولكن: ما هو سبب فشل تلك التجربة؟ هل لخضوع تلك المكتب الى سلطة الوزير؟ هل لتبعيتها الادارية للجهة التي تتولى الرقابة عليها؟ ان عملية الرقابة كي تضمن دقتها وتحقق الاهداف المرجوة منها، يجب ان تقوم على اشتراطات معينة ومن اهم تلك الاشتراطات هو استقلالية وقوة الجهة التي تراقب الادارة، وعدم خضوعها لأي تأثيرات ادارية او سياسية فيما يخص واجبها في الرقابة والتحقيق. اما في تجربة المفتش العام، فإنه خاضع ماليا لسلطة الوزير، وحتى وظيفيا، حيث لا يمكنه التصرف بأي جانب، سواء كان مالي او فني او وظيفي دون الرجوع الى الوزير، وان تطبيقات القضاء الاداري مؤخرا تبين مدى تبعية المفتش العام للوزير. فهل يمكن ان يقوم جهاز بمراقبة الجهة التي يتبع لها؟ ان الحديث عن مدى امكانية بقاء تلك المكاتب يجب ان يقوم على اسس قانونية صحيحة، اي بمعنى البحث في مخرجات المشكلة قانونيا وليس سياسيا، فهناك برلماني يرى ان الغاء تلك المكاتب يعد جريمة بحق العراق، كون ان تلك المكاتب تتولى مكافحة الفساد المالي والاداري وان الغاء احدى الجهات الرقابة يؤثر على مكافحة الفساد، في حين ان الجهات الداعمة للإلغاء ترى ان رأيها احد متطلبات مكافحة الفساد. ولم يدعم أي من الطرفين رأيه بأسانيد قانونية، تبرهن على صحة ذلك الرأي. المفتش العام، كجهاز تشكل وفقا للأمر 57 لسنة 2004 وهذا الأمر لازال ساريا لحد الآن، فقط تم تعديل بعض نصوصه المتعلقة بإقالة وتعيين المفتش العام. ما يتضمنه ذلك الأمر هو مجرد كلام مترجم من الانكليزية الى العربية، اغلب نصوصه غير واضحة ولا يمكن تطبيقها على الواقع العراقي، فهي نقل حرفي لا أكثر. فمثلا جاء في القسم 3 ف 2: لن يحاول اي فرد او اي تنظيم منع المفتش العمومي من القيام بالأعمال المصرح له القيام بها واللازمة لاستسهال او تنفيذ او استكمال اجراءات التدقيق المالي او التحقيق او المراجعة ولن يحاول او فرد او اي تنظيم عرقلة الاعمال التي يؤديها المفتش العمومي… هذه العبارة توحي الى انها نقلت حرفيا من لغة اخرى، ولم توضع لتطابق الواقع، ولم توضع لحل مشكلة عانت منها الادارة مسبقا. كما ان المشرع العراقي، ورغم مرور أكثر من عقد ونصف على سريان ذلك النص، لم يعدلها او يلغيها. وبقيت اعمال مكاتب المفتشين العموميين تدار وفقا للاجتهادات الخاصة، فكثير من اعمالها تبين لاحقا انها غير قانونية ويمكن مراجعة قرارات مجلس الدولة ومنها القرار 77/2018 في 31/7/2018 الذي نص على عدم صلاحية تلك المكاتب اجراء التحقيق الاداري مع الموظفين او احالتهم الى القضاء او فرض العقوبات الانضباطية بحقهم. وان هذا العمل هو ابرز واهم ما تقوم به تلك المكاتب في الوقت الحاضر وان تجريدها منه، يعني عدم وجود مبرر لوجودها. فإي تحقيق ستقوم به تلك المكاتب سيطعن به امام قضاء الموظفين ويتم الغاء العقوبة وبالتالي لا جدوى من اجراء اي تحقيق. ان فكرة الغاء تلك المكاتب هي فكرة قانونية يجب ان تناقش من قبل مختصين بغية الوصول الى حل قانوني سليم.

سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة