قراءة في « الحبُّ في زمن الطنطل» للقاص ضاري الغضبان

سيمياء العنوان والإحالات المرجعية

غسان حسن محمد

يُعدُّ العنوان نظاما سيميائياً يتوافر على اكبر اقتصاد لغوي يحتاج الى اكبر تلقٍ ممكن..وهو اول اتصال فيزيقي (مادي) بين الكاتب والقارئ..، والعنوان يعني فيما يعنيه اصطلاحاً الظهور والقصد والاعتراض كأول عتبة تكتنز في طياتها الفكرة وموضوعة النص التي تشي بالاعلام وفق مستوى العنوان السطحي الاول، والمستوى العميق في وجهه الثاني، وفعل الانتاجية وتجاوزها كبنية لها دلائليتها واشتباكها مع فواعل النص وتفجير طاقات الوعي واللاوعي لدى (القارئ/ العارف) الذي يعد مشاركا فاعلا في انتاجية النص وتوصلاته، نحو تعزيز مقصدية العنوان لدى الكاتب او نفيه، فالعنوان هو الاثر الذي يدل على النص ..وقديما قيل « الكتاب يقرأ من عنوانه».. ولأن العنوان يعد علامة على النص وله، يكمن في نسيجه حمولات ثقافية وفكرية ينبغي قراءتها سيميائياً وفق آليات التواصل والاتصال..، ذلك اننا نعيش في امبراطورية من العلامات اليوم، حياة تنفذ فيها السيمويولوجيا الى ادق التفصيلات..العنوان اول اتصال نوعي بين الكاتب الذي يعمل حدسه الفني على صناعته، (والقارئ/ العارف) بحدسه النقدي الذي يمكنه من فك شيفرات العنوان / النص الموازي حسب زعم (جيرار جينيت)، اي انها عمليه بالغة التعقيد والابداع في آن..انها عملية التقاء الحدسين الفني والنقدي وكل له مجالات احالاته المرجعية التي تؤتي مقصدياتها واثمارها. تبعاً لأكتمال دائرة التلقي الابداعية.
يقول «رولان بارت»:( ان للعنوان انظمة دلالية تحمل قيمها الاخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.، فالسيارة عدا كونها واسطة نقل ، فأنها تدل على الوضع الاجتماعي والاقتصادي لصاحبها، والملابس تدل على انتظام صاحبها او ابتذاله والمعطف يؤدي وظيفته كلباس وكذلك يخبر عن احوال المناخ)، ولأن العنوان سمة النص الثري بعده مرتكزاً دلالياً يتصف بالتكثيف والاختزال واتسامه بالوصل واعتماد القواعد المنطقية في صنعته. هذه الفكرة فيما يخص النص النثري نقولها تجوزاً، اذ قد لاتجتمع مقصديات العنوان مع النص يقول الكاتب الفرنسي (بيرنانوس) في كتابه المعنون بـ (الفرح) (قد تجد ايها القارئ كلَّ شيء في كتابي هذا الا الفرح)، هنا ينتفي فعل الاحالة والمرجعية الى مؤدى ما، بل هو كسر للتوقع يرى فيه الكاتب قوة وطاقة تفجيرية تعمل على تحفيز واثارة وعي ولا وعي المتلقي..متفقاً مع (ايكو) الذي يرى: ( ان على العنوان ان يبلبل افكار المتلقي)، فالعنوان في النص النثري وانصياعه للقواعد المنطقية.، قد يلتقي او يبتعد عن مقولة العنوان «الجامع المانع» لدى المناطقة التي تصلح للنص العلمي اكثر منها في الكتابات النثرية.
« الحبُّ في زمن الطنطل» مجموعة قصصية صدرت العام 2018م، للكاتب «ضاري الغضبان»، ضمت (12) قصةً بصفحات بلغت (109) صفحة من القطع المتوسط عن دار سراج للطباعة والنشر.. عنوان لافت حمل مغايرته كتشكل ثقافي هندسي ايقوني لتصورات تحمل رؤى الكاتب وقصديته في تصدير مجموعته القصصية بهكذا عتبة..عن اي حبٍّ يتحدث ؟ وما « الطنطل»؟ تخبرنا المرويات الشعبية الشفاهية عن ان «الطنطل» كائن ليلي مخيف يعيش في المسطحات المائية كوحش يقتل ويخيف الناس..أشاعت هذه المرويات التي تقترب في توصيفاتها للكائن من البعد الاساطيري فلا حقيقة قارة عن وجود هذا الكائن..فيما الحبُّ فعل انساني وجداني يمثل اعلى مراتب العاطفة الجياشه والانسانية ببعدها الجمالي والنبيل.، ينوجد في زمن «الطنطل»! عنوان رامز له حمولاته التاريخية والسياسية والايديولوجية والوجودية..نظرية الخير والشر ، الوجود والعدم..الحضور والغياب..الحياة والموت..ثنايات ضدية مفارقة في زمن لا يمتلك خاصية الاستقرار والثبات والكمون..فقصة « الحبُّ في زمن الطنطل» عنوان المجموعة..تخبر عن علاقة حبٍّ لم تكتمل بسبب النظام السياسي وحروبه العبثية التي حالت دون ان يعيش الحبيبان تحت سقف واحد، اغتراب الحبيبة وعودتها بعد ان تبدلت الاوضاع السياسية في البلد بعد ما يقارب الـ (50) عاماً، عودة أشكالية فالحبيبة قد انفصلت عن زوجها بعد ان رفض العودة معها الى الوطن..عادت المرأة لتلتقي بحبيبها الاول وعليها تبدلات الزمن الذي احالها الى اطلال امرأة بفعل الطنطل وزمنه الخرافي اللعين وعجلة السياسة التي سحقت نضارتها واذبلت عودها..قصة تجمع بين زمنين لم يأفل فيهما فعل «الطنطل»، بأبعاده التأريخية والسياسية والايديولوجية بترميز عالٍ ادار دفته الكاتب بحوار آصر بين الماضي والحاضر وبقاء الحب كمسمى ذاكراتي. قصة (!) اعتمد العنوان على تشكيل هندسي يمثل صورة ايقونية تحيل الى مرجعيات ثقافية وايديولوجية بث فيها الغضبان خطابه المعرفي بحكايات ثانوية عن بحث علامة التعجب عن مدمني المدينة الذين اختفوا فجأة ..لتطوف العلامة الاسواق والحارات والبساتين وكل يتحدث عن اوجاعه،صراع البقاء على وجه المعمورة..حكايات اجتماعية واقتصادية وشعبية ذات ابعاد ثقافية ومعرفية وحياتية. قال «موباسان»: «إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده»..القصص الاخرى (طاط..طوط..طيط، فقدان القمر، مقطع عرضي للريف، ديمقراطية الغاب، دَين، قداحة، تابو ..تابوت، بيضة الديك)، تمثلت في افكارها وموضوعاتها اقتناصاً للحظات العابرة التي لا تنبث الا وفق فن القصة القصيرة، اتخذت من اليومي عتبة انطلاق وانفتاح على أفق الفكرة..قصص اجتماعية وحياتية وايديولوجية اقتنصت موضوعاتها من الشارع العراقي بلغة ادبية مكتنزة بالدلالات رامزة اطرت حكاياتها بأبعاد ثقافية وفكرية عبر صنعة وفن القص الجميل.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة