في إحدى الوزارات المهمة ضاق “عامل المصعد” ذرعاً بسبب كثرة الأسئلة التي كانت تنهال عليه يوميا ًسواء من الموظفين أوالمراجعين والتي كانت تتركز على معرفة “الوقت” سواء من زبائنه “الصاعدين”أو”النازلين” بحيث كان سؤال أو جملة “بدون زحمة بيش ساعتك” هي أكثر العبارات التي سببت له قلقاً وأرقاً وعقدة ً!
وبعد أن مَلَّ وضجر”صاحبنا ” عامل المصعد من تكرار الأسئلة عليه طيلة أوقات الدوام الرسمي .. قفزت الى ذهنه فكرة جهنمية قد تساعده في التخلص من أسئلة زبائن المصعد التي صدعت رأسه أوعلى أقل تقدير الحدمنها الى مستويات مقبولة ، قام عامل المصعد بشراء ساعة كبيرة وثبتها على جدار أحدى زوايا المصعد.. وكان أهم مايميزها أنها واضحة الأرقام والعقارب وكل التفاصيل المتعلقة بالوقت والزمن ، لكن المفاجأة أنالموظفين وبمجرد أجتيازهم لباب المصعد أو خروجهم منه.. كانوا يسألونه بعد مشاهدتهم للساعة : “بدون زحمة هاي الساعة مضبوطة” لو “صحيحة ” أو .. هاي الساعة “متقدمة بالوقت ” لو “متأخرة ” !
هذه الحكاية.. تُذكرني دائماً بمواقف طريفة نتعرض لها بين الحين والآخرأثناء عملنا في الوظيفة الحكومية وهي نسخة شبيهة ومطابقة لما يتعرض له صاحبنا “أبو المصعد”….فبعد أن كنا نواجه كل يوم سيلاً منالأسئلة المعادة والمتكررة عن التعيينات والوظائف الشاغرة من المراجعين والاعلاميين والجيران والخلان والصديق والقريب والغريب وغيرهم.. فإن جهودنا كانت تذهب هباءً منثورا في سبيل وضع حد لهذه الإسطوانة”المشروخة” التي تعزف في مكاتبنا أوفي هواتفنا الخليوية في كل دقيقة وثانية ، مع أن الجميع يعلم يقينا ًأن التعيينات متوقفة بسبب الموازنة والظروف الاقتصادية للبلد ..!
ومن أجل وضع لهذه المعاناة .. توصّل أحد زملائنا الى مقترح يفضي الى تعليق لوحة إعلانية نكتب عليها .. “عزيزي المراجع الكريم.. لاتوجد تعيينات في الوقت الحاضر..أو انها متوقفة لحين صدور تعليمات وزارة المالية.. وسنعلن عن ذلك حال إطلاقها ” !
وجد الكثير منا أن هذا المقترح هو “الحل” الامثل لمعاناتنا .. وسارعنا بدورنا الى تنفيذ و تطبيق هذا الفكرة “الجهنمية” التي ستخلصنا من “دوخة الرأس” .. لكن المفاجأة أن نسبة الأسئلة والاستفسارات تضاعفت عماكانت عليه سابقاً، بحيث تغير نمط أسئلة المراجعين الى جملة :”بدون زحمة..هذا الإعلان جديد لو قديم ؟”.. أو يأتيك آخر ويسألك:”هي الموازنة أقروها لو بعد؟” أو يسألك غيره: “رجاءً ..وين تعلنون التعينات بالجريدةلو بموقع الوزارة ؟” وثالث يسأل: “يرحم أبوك بيا جريدة راح تعلونها ؟” ورابع يسألك: “المتضررين مشمولين بالتعينات الجديدة ؟” وهكذا … دواليك !!
وتزامناً مع الاصوات الداعية الى تشكيل حكومة تكنوقراط ..صرنا نواجه أسئلة باتت تتكررعلى شفاه الأصدقاء والمعارف والجمهور بشكل عام، وهذه الاسئلة ” ؟ منين راح يجبون التكنوقراط ؟ أو ” الاحزاب والكتلالسياسية راح تتدخل بالترشيحات لو.. لا ؟” أو هذا التكنوقراط من الداخل لو من الخارج ؟ أو ” شلون راح نعرف هذا ..تكنوقراط .. لو حزب قراط ؟” .
ولأني العبد الفقير ..مؤمن بما كتبه جبران خليل جبران : “يقولون لي إذا رأيتَ عبداً نائماً فلا توقظه لئلا يحلم بالحرية.. وأقول لهم: أذا رأيتُ عبداً نائماً أيقظته وحدثته عن الحرية”.! لهذا كنت أحاول الاجتهاد في إجابةأصحاب الاسئلة حول “التكنوقراط ” بما يمليه عليّ ضميري الوطني والمهني والإنساني .. وأحدثهم عن أهمية أعتماد “التكنو قراط ” في أدارة الدولة المدنية وتأثير ذلك على حياتنا ومستقبلنا وكرامتنا بعيداً عنالإملاءات أوالأجندات أو العواطف والفقاعات والشعارات والهوسات الثورية والحماسية ، كذلك ضرورة احتكام “السائل” أو المواطن الى عقله وليس الى قلبه عند قراءة المشهد الوطني … لهذا كنت أعمل جاهداً في أنأوضح لاحد “السائلين ” خارطة الطريق التي قد تمكنه مستقبلاً من اختيار مَن يجده مناسباً لأداء دوره بكل أمانة ومسؤولية ويكون خادماً للشعب بحق.. وليس من خلال التصريحات أو الطروحات “الساذجة” و”الواهنة”،حاولت أيضاً أن أبين له أهمية تحديد أهدافه الواضحة من خلال اختيار وتأييد من يجده مناسباً .. وما كدت الانتهاء من محاضرتي و”تفلسفي” بشأن قضية الساعة .. “التكنوقراط ” وشرح الأهداف والواجبات والمهامالملقاة على عاتق المواطن .. وكان “السائل” بدوره ينصت لي طيلة ساعة من الزمن .. مع الشعور في قرارة نفسي بالزهو .. لأني “أفحمت” صاحب السؤال بخطبة عصماء دعوته عبرها الى القيام بواجبه الوطنيبالمشاركة في تأييد “التكنوقراط ” من خلال إرشاده الى الطريق الصواب .. لأن ذلك سبيلنا الوحيد للتغيروتحقيق الأفضل والأنسب والأكمل والأجمل لأنها تسهم في نهوض بلدنا وترسم مستقبله !
لكن ..في نهاية المطاف كانت المفاجأة ..فبعد الانتهاء من حديثي .. واثناء توديعه لي قال : “السائل”: “شكرا أستاذ.. وعاشت أيدك على هذه المعلومات ..تعبتك ويايه… بس يرحم والديك كلي هذا “التكنو قراط ” الليراح أمشي وراه .. من يا حزب أو كتله !”
• ضوء
عند البطـــون ..”تُعــــــمى” الاختيارات !
عاصم جهاد