حسن خضر*
بحثتُ قبل قليل عن سعر صرف الدينار الكويتي، واتضح أن 2500 من الدنانير الكويتية تساوي 8737 من الدولارات الأميركية. ولا أريد العودة إلى أسعار العام 2011، على الرغم من أن مبرر العودة إلى ذلك التاريخ يعيدنا إلى ما نحن بصدده الآن.
ففي ذلك العام اقترحت «ناشطة» كويتية، كانت مرشحة سابقة لمجلس الأمة الكويتي، في لقاء مع جريدة «السياسة» سن قانون لتنظيم استقدام الجواري وامتلاكهن «من سبايا الروس لدى الشيشان، أو من روسيا ودول أخرى».
ولكي تكون «منصفة»، كما قالت، و»للحفاظ على حقوق الطرفين» (يعني الجارية ومالكها)، اقترحت أن يكون ثمن الجارية 2500 دينار، منها 500 دينار للوسيط، أو مكتب استقدام الجواري (على غرار مكاتب استقدام الخدم)، على أن توضع 2000 من الدنانير في حساب الجارية، ولكن لا تستحقها إلا بعد خمس سنوات. يعني 400 دينار مقابل «شغل» عام كامل. يا بلاش.
وللتدليل على أن الموضوع احتل حيزاً لا بأس به من دماغها، استفاضت «الناشطة» في التفاصيل. فمن حق المواطن شراء ما يشاء من الجواري «بهدف إلغاء أي عامل للغيرة بينهن»، شريطة ألا يقل عمر الجارية عن 15 عاماً، وألا يزيد على 25 عاماً. ولوضع هذا كله في إطاره «النظري» تقول: «إن الجاريات وجدن للوناسة، والدين حلل امتلاكهن، شرط أن يكن سبايا غزو دول إسلامية لدول غير إسلامية».
قبل حديث الناشطة بأيام (وما زلنا في العام 2011) تحدث شيخ اسمه الحويني عن «ضرورة العودة إلى نظام الرق والاستعباد، واتخاذ الجواري والسبايا» بوصفه حلاً للمشكلات الاقتصادية والفقر. وفي تفاصيل الحديث، المُسجّل بالصوت، والمُتداول على الإنترنت، دعوة إلى إحياء زمن الجواري بإحياء واجب الجهاد، وما يعقبه من حصول المجاهدين على المغانم والسبايا، للخروج من الأزمة، فالغزو والغنائم المالية والبشرية أفضل من التجارة والصناعة وعقد الصفقات.
«السياسة» الكويتية استفتت آخرين في هذا الكلام، فقال «داعية» اسمه صالح الغانم: «إذا قامت حرب فيجوز امتلاك الجواري، شرط أن تكون الحرب تحت راية ولي الأمر، الذي يتصرف في السبايا والأسرى كما يشاء، فله أن يقتلهن أو يوزعهن على المسلمين».
كان كل ما تقدّم في العام 2011، يعني قبل إعلان دولة «الخلافة» الداعشية، في مناطق من سورية والعراق. وفي حينها لم يكن ليخطر على بال أحد أن الأمر لن يحتاج إلى أكثر من ثلاث سنوات لترجمته إلى واقع.
صحيح أن البغدادي يبيع اليزيديات خاصة «الجميلات منهن» بألف دولار، وهذا أقل بكثير من سعر «الناشطة» الكويتية، وأرخص من سعر الآيباد الجديد، وصحيح أن هذا لم يحدث في «غزو دول إسلامية لدول غير إسلامية»، بل حدث في العراق وسورية، ويمكن أن يحدث في الكويت وغير الكويت، إذا قرر البغدادي، ومَنْ يشبهونه، ومن سيأتون بعده (فشوطنا طويل) معاملة الدول، والشعوب، والمجتمعات المعادية «للخلافة»، معاملة «الكفّار» فأخذ النساء سبايا، وجز أعناق الرجال.
كان كلام الناشطة قبل ثلاث سنوات نوعاً من الاستيهام والفنتازيا، واليوم لا مجال للكلام عن الاستيهام والفنتازيا، بعد «خلافة» داعش، يعني بعد زوال الحد الفاصل بين الممكن وغير الممكن، بين المعقول واللامعقول، بين الخيال والواقع، بين المتوقع وغير المتوقع. فهذا الحد نتاج بنية ذهنية تحتكم إلى المنطق، فإذا انهارت مركزية المنطق، سقطت الفواصل وضاعت الحدود، ليس حدود سايكس ـ بيكو، بل حدود العقل والواقع والخيال.
في الأدب الغربي يستمد ما يتصل بانهيار مركزية المنطق، وجوده من نسغ المخيال القيامي. وطالما أن للأمر صلة بموضوعنا، فلنذكر رواية «حكاية الوصيفة» للكندية مارغريت آتوود، التي صوّرت فيها نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة، وهيمنة طائفة من المتشددين على الحكم في ولايات فرضوا عليها نظاماً دينياً وأخلاقياً جديداً، يتمثل في نظام للجنس يشبه نظام الجواري، يحتم وضع العذارى في مساكن خاصة، وإلباسهن ثياباً قرمزية، وافتراعهن من جانب القادة، في احتفالات وطقوس رسمية، بهدف الإنجاب، للحيلولة دون انقراض المجتمع.
ولنفترض، نظرياً، أن لوثة أصابت المجتمع الأميركي، وأن أمراً كهذا حدث. فكل شيء في الزمن الداعشي ممكن. ولنفترض أن القادة المتشددين، قرروا استحداث نظام للجواري، وسبي نساء عن طريق الغزو، وشاء سوء الحظ، وربما مكر التاريخ، إضافة إلى الطمع، و»الحقد» أن يكون العالم العربي على رأس قائمة الأماكن التي قرروا غزوها لسبي النساء واسترقاق الرجال.
ما الذي سيحدث حينها، إذا دعا، مثلاً، أحد قادة المتشددين الأميركيين، على ظهر حاملة للطائرات، وسط جنود المارينز، قرب مياه الخليج، إلى «ضرورة العودة إلى نظام الرق والاستعباد واتخاذ الجواري والسبايا» حلاً لمشكلات الاقتصاد والفقر في أميركا، قائلاً: إن الغزو والغنائم المالية والبشرية، أيها الأميركيون البواسل، أفضل من التجارة والصناعة، وعقد الصفقات؟
طيّب، بلاش أميركا. فلنفترض أن الغزو والغنائم المالية والبشرية، أصبحت مصدراً للثروة، وموضوعاً للتنافس بين الحيتان النووية، ومالكي القاذفات بعيدة المدى، والغوّاصات، والصواريخ البالستية، والقنابل الفراغية، وآبل ومايكروسوفت، ومرسيدس، والبوينغ، وداو جونز، وول ستريت، وسفن الفضاء، والأقمار الصناعية.
ولنفترض أن غزوات الرق والسبايا نشبت في العالم، وعلى صعيد العالم، على المكشوف، بلا مجاملات، ولا حقوق إنسان، ولا معاهدات دولية، وسيادة قومية، ولا ضوابط أخلاقية وحضارية، أو بان كي مون، فهل سيكون العرب والمسلمون رجالاً ونساءً (عنتر وعبلة)، بين الصيّادين أم الطرائد؟ وقبل هذا وذاك، كم سيبقى في العالم من العالم؟
•ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية