تعليق معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى بين اميركا وروسيا

يهدد بسباق تسلّح جديد في أوروبا
متابعة ــ الصباح الجديد :

أعلنت واشنطن امس تعليق التزاماتها في معاهدة الصّواريخ النوويّة المتوسّطة المدى المبرمة مع موسكو أثناء الحرب الباردة، وبدء انسحابها منها بحجّة انتهاكها من جانب روسيا التي هدّدت بدورها بسباق تسلّح جديد في أوروبا.
وتقول واشنطن إنّ منظومة الصّواريخ المتوسّطة المدى الروسيّة تنتهك المعاهدة. كما يقول مسؤولون أميركيون إنّ المعاهدة تفرض عليهم قيوداً وتستثني الصين، القوّة الآسيويّة الصّاعدة.
وأشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بيان، إلى أنّه ابتداءً من السبت «ستُعلّق الولايات المتّحدة كلّ التزاماتها بمعاهدة الحدّ من الصّواريخ النوويّة المتوسّطة والبدء في عمليّة الانسحاب من المعاهدة والتي ستكتمل خلال ستّة أشهر، إلا إذا عادت روسيا للالتزام بالمعاهدة وتدمير جميع الصواريخ والمنصّات والمعدّات التي تنتهكها».
وأضاف أنّ «الولايات المتّحدة التزمت بالمعاهدة بالكامل لمدة تزيد على 30 عاماً، لكنّنا لن نبقى مقيّدين ببنودها فيما لا تفعل روسيا ذلك».
ووقّع المعاهدة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان وآخر زعيم للاتّحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشيف لحظر الصواريخ التي تُطلق من البرّ بمدى يتراوح بين 500 و5500 كلم. وأنهت المعاهدة تعبئة خطيرة للرؤوس الحربية أثارت المخاوف في أوروبا.
من جهته، قال وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو إنّ واشنطن، التي أبدت رسمياً قلقها قبل شهرين، ناقشت انتهاكات المعاهدة مع روسيا أكثر من 30 مرّة.
وصرّح بومبيو أثناء إعلانه عن القرار في مؤتمر صحافي، أنّ «الانتهاكات الروسيّة تضع حياة ملايين الأوروبّيين والأميركيّين في خطر أكبر، وتهدف إلى التفوّق عسكريّاً على الولايات المتّحدة وتقوّض فرص تحريك العلاقات الثنائيّة في اتّجاه أفضل».
لكنّ بومبيو أكّد أنّ واشنطن لا تزال راغبة في الدّخول في مفاوضات مع روسيا حول ضبط الأسلحة، وتأمل في أن تلتزم روسيا بالمعاهدة.
وقال ترامب لاحقاً لصحافيّين إنّه يرغب في «جلب الجميع إلى حجرة كبيرة وجميلة والتوصّل إلى معاهدة جديدة»، لكن في الوقت الرّاهن فإنّ الولايات المتحدة «لا يُمكن وضعها في وضعٍ غير مؤات» على حدّ تعبيره.
وعلى الضد من رغبات الاميركيين بتحقيق التفاوض، أورد الكرملين امس، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح في اجتماع مع وزيري الخارجية والدفاع امس السبت بأن روسيا علقت العمل بمعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التي تعود إلى الحرب الباردة بعد أن اتخذت الولايات المتحدة قرارا مشابها.
وأضاف أن روسيا ستبدأ العمل على بناء صواريخ جديدة بما في ذلك صواريخ أسرع من الصوت كما طلب من الوزيرين عدم البدء في محادثات لنزع السلاح مع واشنطن.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن سابقاً أنّ انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة سيُطلق سباقَ تسلّح جديداً.
وصرّحت المتحدّثة باسم وزارة الخارجيّة الروسيّة ماريا زخاروفا أنّ المسألة ليست في «تحميل روسيا المسؤوليّة ، بل في استراتيجيّة الولايات المتحدة للتنصّل من التزاماتها القانونية الدولية في مختلف المجالات». وأضافت لقناة التلفزيون العامة «روسيا 1» أنّ الولايات المتحدة لم تقدّم «أي دليل ولا صورة قمر اصطناعي ولا شهادة» تثبت وجود انتهاك روسي.
وسارع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إصدار بيان يؤكّد «الدعم الكامل» للانسحاب الأميركي من المعاهدة، قائلاً إنّ نظام صواريخ كروز التي تُطلق من البرّ «9 إم 729» ويُثير مداها القلق الأميركي، تنتهك المعاهدة.
لكنّ الأوروبيين أكّدوا كذلك مخاوفهم من مخاطر انهيار المعاهدة، داعين موسكو إلى تبديد مخاوف واشنطن قبل أن تنسحب رسمياً من المعاهدة في آب/أغسطس المقبل.
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل «بالنسبة إلينا، من الواضح أنّ روسيا انتهكت هذه المعاهدة. لذا، علينا التحدّث مع روسيا».
وصرّحت وزيرة خارجيّة الاتّحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بوخارست «ما لا نريد أن نراه بالتأكيد هو أن تعود قارّتنا لتصبح أرض معركة أو مكاناً تواجه فيها القوى الكبرى بعضها».
ودعمت ليتوانيا ولاتفيا اللتان تخشيان من تهديد جارتهما العملاقة روسيا، الانسحاب الأميركي.
كما واجه ترامب انتقادات في بلاده، حيث أعرب الديموقراطيون عن قلقهم من أنّ سياسة الرئيس «أميركا أولاً» رفضت اتّفاقية دوليّة أخرى.
وقال النّائب آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب، إنّ الانسحاب من المعاهدة «يهدد بحشد الأسلحة النووية».
واعتبرت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي أنّ «إدارة ترامب تخاطر بسباق تسلح وتقوّض الأمن والاستقرار الدوليّين».
مخاوف من انهيار مزيد من المعاهدات
ما زاد مخاوف أوروبا، هو تحذير كبير المفاوضين من الجانب الروسي، نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف من أنّه بعد انهيار المعاهدة، فإنّ اتفاقية أخرى هي معاهدة الحدّ من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) يُمكن أن تنهار.
وتنتهي هذه المعاهدة التي تحدّ من عدد الرؤوس النووية لدى واشنطن وموسكو عام 2121، وأشار ريابكوف إلى «سؤال كبير» حول ما يُمكن أن يحدث بعد ذلك.
بدورها، دعت فرنسا التي أسفت للسّجال الدائر حول معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، موسكو وواشنطن إلى تمديد معاهدة ستارت إلى ما بعد 2021.
وفي تصريح لصحافيّين، رفض مسؤول أميركي طلب عدم كشف هويته، فكرة أن الولايات المتحدة تفتح سباق تسلح، قائلاً إنّ رؤية كيفية تصرّف واشنطن عندما تخرج من المعاهدة سيستغرق وقتاً.
ولم تتحدث الولايات المتحدة علناً عن الخطوات التي ستتخذها في حال خروجها من معاهدة حظر الصواريخ متوسطة المدى. ورغم أن العلاقات الأميركية لا تزال متوترة مع روسيا، إلا أن مخططي الدفاع الأميركيين ركزوا بشكل كبير على الصين بسبب إنفاقها العسكري المتزايد، وزيادة جهودها لترسيخ نفوذها في المياه المختلف عليها في آسيا. ويقول مسؤولون أميركيون إنه لو كانت الصين شريكا في معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى، فإن نحو 95% من صواريخها البالستية وصواريخ كروز التي تشكل جزءا جوهريا من استراتيجية بكين الدفاعية، تنتهك تلك المعاهدة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة