آية عبد العزيز
أثارت هزيمة الحكومة البريطانية في الحصول على موافقة من مجلس العموم البريطاني حالة من الجدل بشأن مصير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع اقتراب انتهاء مدة المفاوضات التي بدأت في 29 مارس/ آذار 2017 حتى 29 مارس/ آذار 2019، من دون الحصول على التصويت بالخروج من قبل البرلمان البريطاني بأغلبية 432 صوتًا مقابل 202 وافقوا عليه.
مواجهات حادة داخل مجلس العموم
واجهت حكومة «ماي» تحديات كثيرة منذ توليها السلطة، جاء في مقدمتها تحدي سحب الثقة من قبل زعيم حزب المعارضة «جيرمي كوربن» داخل مجلس العموم، كما أيده بعض السياسيين من حزب الديمقراطيين الأحرار، وحزب ويلز، والحزب القومي الإسكوتلندي، وحزب الخضر، إلا إنها نجت من تصويت حجب الثقة عن حكومتها بـ 325 صوتًا مقابل 306 أصوات، الأمر الذي أدى إلى تفادي إجراء انتخابات عامة.
وكان رد فعل «ماي» إبان فوزها، دعوة جميع القيادات السياسية للمضي قدمًا من أجل تنفيذ إرادة الشعب البريطاني، من خلال عقد اجتماعات أحادية لمناقشة البريكست وتداعياته وإمكانية الخروج من هذا المأزق من دون تنازلات، وتحظى بدعم مجلس العموم، للعودة إلى البرلمان بخطة بديلة تمكنهم من كسر حالة الجمود السياسي. (1)
وبالفعل قامت «ماي» بعقد اجتماع مع عددًا من الزعماء من بعض الأحزاب مثل الحزب الوحدوي الديموقراطي الأيرلندي، والليبرالي الديمقراطي وحزب العمال. وعلى الصعيد الأخر، رفض «كوربن» إجراء أي مقابلة قبل استبعاد «ماي» خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون أي اتفاق. (2)
موقف الاتحاد الأوروبي من قرار البرلمان البريطاني
تبني الاتحاد الأوروبي موقفًا صارمًا من قرار الخروج البريطاني لأنه يرغب في عدم انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويرحب بعودتها إلى الوحدة الأوروبية بوصفها قوة دولية كبرى لأنها من أهم القوة الاقتصادية والنووية والعسكرية علاوة على كونها عضوًا في حلف شمال الأطلسي، ولديها مقعد دائم في مجلس الأمن. كما تسهم في حماية واستقرار الأمن الأوروبي.
لذا فقد أعرب «جان كلود يونكر» رئيس المفوضية الأوروبية عن رغبته في تفادي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنحو غير منظم، موضحًا ضرورة تأمين سبل الخروج بين الجانبين لتحقيق المصلحة الوطنية للطرفين. كما أكد بجانب «دونالد تاسك» رئيس المجلس الأوروبي على أهمية قيام الحكومة البريطانية بإظهار حسن نواياها في أقرب وقت، بينما أبدى «تاسك» أسفه لنتيجة التصويت، وقال لاحقًا في تغريدة «من يملك الشجاعة ليقول ما هو الحل الشجاع؟ (3)
ملفات مثارة
مع اقتراب انتهاء مدة المفاوضات التي استمرت عامين، من المحتمل أن تطلب الحكومة البريطانية التمديد من قبل الاتحاد الأوروبي وفقًا للمادة 50 من اتفاقية لشبونة التي دخلت حيز التنفيذ في 2009 التي تمثل الهيكل الدستوري للاتحاد الأوروبي. وعليه يُثار جدل حول مصير عدد من الملفات المهمة، يأتي في مقدمتهم ملف الأمن والدفاع الأوروبي.
وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وأن الأمن الأوروبي رهن الإرادة السياسية للقوى الأوروبية الدولية، أي أن عملية التكامل والتعاون في هذا المجال تتجلى في مقدرات الدول، وقدراتها في تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي لدول القارة. وهنا يمكن طرح تساؤل بشأن ما هو مصير السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي؟ تعد السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي هي عبارة عن السياسات العامة التي توافقت عليها الإرادات السياسية للدول الكبرى، كما تعد جزء لا يتجزأ من السياسة الأمنية الخارجية لدول الاتحاد، والتي اسهمت بريطانيا في بلوراتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية برفضها بنماذج الاندماج الأوروبي في هذا الإطار. وسعيها لتبني سياسات موازية لحلف شمال الأطلسي الداعم الأساس للأمن الأوروبي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وتهدف السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة على مكافحة الإرهاب، وردء الأزمات، وحماية الدول الأعضاء من الأزمات الاقتصادية والتجارية، بجانب التصدي للتهديدات الهجينية، والجريمة المنظمة علاوة على الجرائم الالكترونية ومكافحة القرصنة.
مع احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تواجه السياسة الدفاعية والأمنية حالة من الجد المثار حول مستقبلها. ويمكن تقسيم حالة الجدل على النحو التالي:
1- احتمالية تعزيز السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة لدول الاتحاد مع احتمالية خروج بريطانيا، بالفعل هناك العديد من المحللين الذين يجادلون بإن احتمالية الخروج البريطاني ستسهم بنحو كبير في دفع القوى الدولية الأوروبية بقيادة فرنسا وألمانيا على انتهاج سياسة دفاعية وأمنية قائمة على المقدرات الأوروبية، مع تزايد الاندماج الأوروبي في هذا المجال، هو بالفعل ما تجلى في تبني المستشارة الألمانية «انجيلا ميركل» خطابًا حادًا بشأن هذا الأمر يكمن في زيادة المقدرات الدفاعية والمساهمات المخصصة للناتو، مع الدعوة إلى الاعتماد على النفس في حماية الأمن الأوروبي. بالتوازي مع اقتراح الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» لتأسيس جيش أوروبي. جاءت هذه المبادرات بالتزامن مع التحول الاستراتيجي في النهج الأميركي تجاه دول القارة واعتبار إدارة «دونالد ترامب» إلى الدول الأوروبية تعتمد على واشنطن في حماية أمنها لابد وأن يكون له مقابل.
2- احتمالية ضعف السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة لدول الاتحاد مع احتمالية خروج بريطانيا؛ يكمن هذا التوجه في إنه يعتمد أن بريطاينا من أهم القوى الدولية الأوروبية التي تساهم في ضمان وأمن واستقرار القارة. فباحتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد من المحتمل أن تتزايد حالات الانفصال على غرار الانسحاب البريطاني من الاتحاد، إضافة تنامي القوى اليمينية والشعوبية التي ستجد فرصة قوية في تنفيذ أجنداتهم الخاصة بتبني استراتيجية مناهضة لسياسات الاتحاد، فضلًا عن تراجع القوة النووية والعسكرية لبريطانيا بعد الخروج لأنها متمركزة في اسكتلندا. لذا من المتوقع أن ينعكس الخروج بشكل سلبي على السياسة الدفاعية والأمنية بل وعلى الاتحاد الأوروبي.
ختامًا، حاولت الحكومة احتواء الهزيمة من خلال إعادة المباحثات مرة ثانية مع المعارضة السياسية، والتوجه نحو بروكسل من أجل بحث سبل التسوية السلمية للخروج بدون تنازلات. فقد أصبح مصير الخروج مرهون بعدد من السيناريوهات اليت تتجسد أبرزها في الخروج من دون اتفاق ما سينعكس على الاقتصاد البريطاني بشكل سلبي، كما سيعزز من تنامي حالة عدم الاستقرار السياسي.
والسيناريو الثاني، الخروج وفقًا لاتفاق يسمح للجانبين بتحقيق أقصى استفادة على كافة الأصعدة، ما عجزت عنه الحكومة البريطانية حتى الآن. والسيناريو الثالث الذي يواجه حالة من الزخم داخل المجتمع البريطاني، إعادة الاستفتاء مرة ثانية على تقرير مصير بريطانيا داخل الاتحاد، ما ترفضه الحكومة بقيادة «ماي» زعيمة حزب المحافظين، بجانب زعيم المعارضة «جيرمي كوربن» الذي يسعى إلى إبرام اتفاق جديد مع بروكسل للخروج الآمن الاتحاد.
الهوامش:
1- « تيريزا ماي تنجو بصعوبة من اقتراع بسحب الثقة في مجلس العموم»، هيئة الإذاعة البريطانية، 16/1/2019.http://www.bbc.com/arabic/world-46893654
2- «بريكست: تيريزا ماي تحث نواب البرلمان على العمل معا و»تنحية المصالح الشخصية» جانبا»، هيئة الإذاعة البريطانية، 17/1/2019. http://www.bbc.com/arabic/world-46900828
3- « اتفاق بريكست: ماي تواجه تحديا جديدا بالتصويت على حجب الثقة عن حكومتها»، هيئة الإذاعة البريطانية، 16/1/2019. http://www.bbc.com/arabic/world-46894503
المركز العربي للبحوث والدراسات