نحو تعريف جديد للفساد

لا يمر يوم، من دون الاعلان عن كشف ملف فساد في احدى مؤسسات الدولة، ولسوء الحظ، فإن اغلب تلك الملفات المعلن عنها، تمثل هدرا واختلاسا وتجاوزا على المال العام، وبمبالغ طائلة، تذهب الى جيوب الفاسدين. ولا يمكن ان نتصور ان ثمة وزارة من وزارات الدولة، تخلو من عمليات فساد او شبهات فساد، وهذه الحقيقة معروفة للجميع، برغم مرور اكثر من عقد كامل على تشكيل الجهات الرقابية كالنزاهة والمفتش العام والرقابة المالية، ولكن من دون ان تتمكن تلك الجهات من الحد من عمليات الفساد التي اعادت البلد الى الوراء. وللأسف، لا توجد معالجة حقيقية لمشكلة الفساد، سوى بعض المحاولات الترقيعية التي لا تؤدي الا الى مزيد من الفساد. من تلك المحاولات هي تشكيل او اعادة تفعيل المجلس الاعلى لمكافحة الفساد، وهو كيان لا يوجد نص قانوني او دستوري يمنحه الشرعية، يرى السيد رئيس الوزراء انه تحرك فعّال نحو الحد من الفساد، وهو تصور لا يستند الى الواقع، حيث ان الفاسدين لازالوا يتوغلون في عمق الدولة ومؤسساتها، دون ان يجدوا مقاومة حقيقية، من اية جهة كانت. تعريف الفساد، معروف للجميع، وقد نص قانون هيأة النزاهة رقم 30 لسنة 2011 على تعريف لقضية الفساد على انها: دعوى جزائية يجري التحقيق فيها بشأن جريمة من الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة كالرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم… هذا التعريف التقليدي لا يمكنه ان يسهم في الحد من مكافحة الفساد، اذ ان الكثير من قضايا الفساد التي تنظرها هيأة النزاهة ومحاكم التحقيق المختصة بقضايا النزاهة، تتعلق بمخالفات ادارية قام بها موظفون صغار، وان الكثير من تلك القضايا تثقل كاهل الهيأة والمحاكم، وتؤدي الى تشتيت الجهود نحو الالتفات الى القضايا الاهم وهي قضايا الهدر الكبير في المال العام. صحيح ان القانون العراقي، اسبغ حمايته على المال العام، مهما كانت قيمته، لكن التركيز على قضايا صغيرة، وارهاق هيأة النزاهة بها، يؤدي الى عدم التمكن من التفرغ الى القضايا الكبيرة التي تشكل هدرا حقيقيا في المال العام. ان التعريف الحقيقي للفساد، يجب ان يكون موجها بالدرجة الاساس للقضايا التي اثقلت كاهل الدولة، وتسببت بخسارة الخزينة مبالغ طائلة، من قبل اشخاص محددين، مهما كانت صفتهم الوظيفية او الحزبية في الدولة العراقية، والا تكون موجهة الى الموظف البسيط الذي يخطأ دون قصد في عمليات حسابية او في تقدير بعض المواقف الادارية، وبالتالي، يتم اشغال الهيأة والمحاكم المختصة، وصرف مبالغ على الورق والجهد، ثم تصدر المحكمة المختصة حكما بالافراج او البراءة ويتم تصديق ذلك الحكم لعدم وجود جريمة اصلا! تعريف الفساد يجب ان ينصب على قضايا بعينها، لا ان يكون عشوائيا، يختار الجميع، مهما ارتكب من فعل. كما يمكن ان يتم اللجوء الى وسائل قانونية اخرى، بدلا من اشغال النزاهة والمحاكم بالقضايا الصغيرة، كأن يتم اللجوء الى التضمين الاداري او العقوبات الانضباطية. مكافحة الفساد، بحاجة الى ثورة حقيقية، للسير بها نحو الامام.
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة