دوافع استراتيجية .. سلطنة عُمان ودلالات تنامي العلاقات العسكرية مع بريطانيا

محمود جمال عبد العال
على مدى العقود الثلاثة الماضية، أقامت سلطنة عُمان سياسة خارجية إقليمية فريدة تتميز بالاستقلالية، وتجمع بين البراجماتية والاعتدال. وقد بدأت هذه السياسة تتبلور في أعقاب انقلاب القصر في يوليو/تموز 1970 في مسقط بعد تحرك السلطان قابوس لتخليص بلاده من سيطرة المستشارين الأجانب على والده. وعمل السلطان الشاب منذ توليه الحكم على تحديث اقتصاد عُمان المتدهور واستغلال ثرواتها المحدودة لتحسين أوضاعها المتدنية مقارنة بجيرانها من دول الخليج.
وأطلق السلطان «قابوس» ما أُصطلح عليه بالنهضة العُمانية، وذلك من خلال العديد من الإجراءات التحديثية التي اتخذها في جميع المجالات. وتعمل مسقط حاليًا على تعزيز سياستها الخارجية التي اتسمت بالحياد، وذلك باتباع أجندة أمنية جديدة خاصة في ضوء التهديدات الأمنية والعسكرية بمحيطها الجغرافي مثل الحرب الدائرة في اليمن، وضعف منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وتصاعد الضغوطات الأميركية على إيران، لذا اتصلت هذه التهديدات بضرورة توسيع تحالفاتها العسكرية سواءً مع المملكة المتحدة، أو الهند.
سنتناول في هذا التقرير الركائز التي تقوم عليها السياسة الخارجية العُمانية، واستراتيجية سياسة الحياد، والنأي بالخلافات الأيديولوجية والطائفية عن سياساتها الإقليمية والدولية، وملامح التنسيق العسكري بين عُمان وبريطانيا مؤخرًا.
الأهمية الاستراتيجية لسلطنة عُمان
تتزايد الأهمية الاستراتيجية لسلطنة عُمان خاصة مع تزايد الضغوط السياسية والأمنية في منطقة الخليج العربي، وأتاح هذا الموقع الجغرافي لسلطنة عُمان لتلعب دور الوسيط في منطقتها. ويعول المجتمع الدولي على عُمان لتلعب دورًا في الصراع اليمني، وذلك بالاستناد إلى علاقتها الحميمة مع أطراف الصراع سواءً المحلية (الحوثيون، والسلطة الشرعية)، أو الخارجية (إيران، والمملكة العربية السعودية).
تأكدت أهمية أن تقوم مسقط بدورٍ دبلوماسي في اليمن بالاستناد إلى الحدود المشتركة بين اليمن وعُمان، إذ تُقدر هذه الحدود بحوالي 300 كيلو متر، ومن ثم باتت اهمية استقرار اليمن وتوقف الصراع وإنهاء حالة العنف ضرورة، وذلك خوفًا من تأثرها بحالة عدم الاستقرار في اليمن.
سلطنة عُمان وسياسة الحياد
تحاول عُمان تقديم نفسها كطرف محايد ينأى بنفسه عن التدخل المباشر في الصراعات والنزاعات الإقليمية خاصة في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات خلال الثمانية أعوام الأخيرة، ومن ثم تعمل على تعميق علاقاتها مع الأقطاب العالمية في ضوء التهديدات الأمنية والجغرافية المحيطة خاصة مع التصعيد الخليجي ضد إيران مؤخرًا. وترتكز السياسة الخارجية العُمانية في عهد السلطان قابوس على دعائم أساسية أهمها تجاوز الاستقطابات الإقليمية والدولية والعمل مع كافة الدول في المنطقة من دون خلق عداوات، عدم التدخل في شئون الدول الداخلية، وتنحية الأبعاد الأيديولوجية والطائفية والمذهبية ومبدأ بناء الثقة وفقًا لمصالحها الوطنية(1).
وتعمل حكومة مسقط منذ نيل استقلالها عام 1971 على أن تتبع سياسة متوازنة، وتقف على حدود متقاربة مع كل أزمة شرق أوسطية كبيرة، وما يدعم هذا التوجه سمعة الحياد عُمان التي طغت على السياسة العُمانية لأكثر من نصف قرن(2). وتتمتع عُمان بنحو خاص من الإسلام، وذلك بانتشار المذهب الإباضي الذي جعلها تبدو مختلفة عن نمط الإسلام في دول الخليج السنية، وفي الوقت نفسه مختلفة عن إيران الشيعية. أضاف ذلك ميزة نسبية لمسقط، حيث جعل منها حلقة وصل بين المملكة العربية السعودية وإيران، وبين إيران والقوى الكبرى مثل واشنطن والاتحاد الأوربي(3).
وعلى الرغم من الضغوطات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تمارسها واشنطن بغرض خفض الدعم عن طهران بسبب برنامجها النووي، تمثل عُمان واحدة من الروابط الضعيفة في حملة العقوبات الأميركية على إيران، وهو ما تؤكده الظروف التاريخية؛ حيث تسامحت واشنطن مع عُمان في هذا الشأن باعتبارها طرفًا محايدًا في المنطقة. وقد استفادت واشنطن من هذا الحياد في ظروف وآونة متعددة، حيث لعبت سلطنة عُمان دورًا إيجابيًا في التقارب الإيراني الغربي في عهد الرئيس الأميركي السابق «باراك أوباما»، وقد تمخض عن ذلك الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى. ويشير المحللون الدور الوسيط الذي لعبته مسقط؛ حيث كانت تقوم بدور توصيل الرسائل المتبادلة بين الغرب وإيران بهدف الوصول إلى صيغة تفاهم مشتركة، وهو ما تم بالفعل. وتحاول إيران حاليًا توظيف عُمان مرة أخرى للتقارب مع واشنطن خاصة في ضوء الضغوطات الكبيرة التي تمارسها إدارة «ترامب» ضد طهران.
التنسيق العسكري البريطاني العُماني
أعلن وزير الدفاع البريطاني «جافين ويليامسون» أن المملكة المتحدة ستفتتح قاعدة تدريب عسكرية مشتركة مع سلطنة عُمان. ويرى البعض أن هذه الخطوة تأتي تأكيدًا لسياسة مبدأ الحياد الذي تسعى مسقط لتعزيزها خاصة في ظل تنامي حالة الاستقطاب بالمنطقة. تأتي هذه الخطوة نتيجة للعلاقات التاريخية التي تربط مسقط ولندن، حيث تجلى ذلك في دعم لندن للحكومة العُمانية خلال تمرد ظفار عام 1965. في السياق نفسه، تتمتع الولايات المتحدة أيضًا بعلاقة قوية مع عُمان؛ حيث أنها بمثابة نقطة عبور للقوات الأمريكية في المنطقة(4).
تتطلع المملكة المتحدة إلى تأكيد هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط التي كانت في وقتٍ مضى منطقة نفوذ تقليدي لها. وتعتمد في تطبيق هذه الاستراتيجية على تحقيق التعاون العسكري بينها وبين دول الخليج؛ حيث سبق التنسيق العسكري بين مسقط ولندن افتتاح قاعدة عسكرية دائمة في مملكة البحرين(5). وسنشير فيما يلي إلى آفاق التعاون العسكري بين بريطانيا والمملكة المتحدة.
1 – العمل على التوصل إلى اتفاقية دفاع مشترك: أكد وزيرا الدفاع البريطاني والعُماني اتفاقهما على بدء مباحثات مباشرة لإبرام اتفاقية للدفاع المشترك، وتهدف محادثات الجانبين إلى وضع إطار التزام دفاعي وتدريبي يحقق مصالحهما المشتركة، كما اتفقا على البدء في إعداد صياغة لهذه الاتفاقية. وأشار وليامسون في اجتماعات مع القادة العمانيين إلى الاتفاق بين البلدين سيشمل تعزيز العلاقات الدفاعية والتعاون بين الجانبين.
2 – إقامة التدريبات العسكرية المشتركة: تُجري القوات البريطانية، والعُمانية تدريبات عسكرية مشتركة مثل تدريب «السيف السريع»، و»الشموخ».
وتهدف التدريبات المشتركة إلى تبادل الخبرات القتالية واللوجستية في مجال تنفيذ العمليات العسكرية المشتركة من خلال استخدام الأساليب والأسلحة الحديث وكذلك آليات تنسيق متطورة تساهم في تعزيز القدرات العسكرية للقوات المسلحة للجانبين(6). وقد أنهت القوات البريطانية العُمانية النسخة الثانية من تدريب الشموخ. ووصلت أعداد المشاركين في هذا التمرين إلى أكثر من 70 ألف مشارك من عُمان من شتى الجهات العسكرية والأمنية والمدنية، إلى جانب القوات المسلحة البريطانية، التي شاركت بأكثر من 5500 جنديًا.
3 – التنسيق بين القوات البحرية للجانبين: وقعت بريطانيا مع سلطنة عُمان في أواخر أغسطس/آب عام 2017 اتفاقية مع سلطنة عمان تسمح باستعمال ميناء الدقم البحري العربي للسفن البحرية البريطانية. وبموجب الاتفاقية يتم استخدام بعض المرافق في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في الميناء البحري والحوض الجاف، وذلك لأغراض المنفعة المتبادلة مثل التدريب وزيارات السفن والإسناد اللوجستي. وتعول مسقط على استعادة مكانة منطقة الدقم التي كانت عليها، وتحويلها إلى مركز لوجيستي عالمي بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين. وتمثل منطقة الدقم أهمية استراتيجية للملكة المتحدة؛ حيث تسعى لتحويلها إلى مدينة صغير تظهر على قدم المساواة مع الأدوار التي تقوم بها سنغافورة أو هونج كونج، وذلك باستغلال موقعها الجغرافي في منطقة الخليج(7).
إجمالًا، سمح موقع عمان الجغرافي وسياستها الخارجية المعتدلة في عهد السلطان قابوس بتوسيع علاقاتها الدولية والإقليمية، ما يتعزز مؤخرًا بتحركات القيادة العُمانية سواءً ناحية آسيا، حيث تعزيز العلاقات مع الهند ودول جنوب آسيا، أو اتفاقيات التعاون مع بريطانيا التي ستعزز القدرات العُمانية في مجالات التعاون الدفاعي، وتبادل الخبرات في مجال التدريب العسكري وتكنولوجيا المعلومات، واستـعمال الدورات والبرامج العسكرية والتعليمية، وتبادل المـراقبين من خلال تنظيم التدريبات العسـكرية المشتركة.

الهوامش
1 – للمزيد انظر: آية عبد العزيز، المصالح محركًا.. كيف تتنامى العلاقات العُمانية – الإيرانية؟ (15/1/2018)، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، على الرابط: https://goo.gl/okVBtH
2 – Oman Will Bend, But Not Break, From Gulf Pressure(31/8/2018), Stratfor, available at:https://goo.gl/xy6xeZ
3 – Conversation: Oman›s Geopolitical Importance (6/5/2014), Stratfor, available at:https://goo.gl/LtZcNi
4- Oman: U.K. Defense Secretary Announces Military Base in Oman (5/11/2018), Stratfor, Available at: https://goo.gl/eFgbex
5 – UK Announces Joint Omani-British Military Training Base (5/11/2018), New York Times, Available at: https://goo.gl/VVcuAz
6 -عُمان تختتم أكبر مناورة عسكرية في تاريخها بمشاركة بريطانيا (3/11/2018)، الخليج أونلاين، على الرابط:https://goo.gl/GfNJkV
7 -Conversation: Oman›s Geopolitical Importance, Op.Cit.
* المركز العربي للبحوث والدراسات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة