عُلا الرفاعي
منذ بداية الصراع في سوريا منذ ما يقرب من عقد من الزمن، دعا السوريون واشنطن وحلفاءها إلى دعم مطالبهم بالحرية والديمقراطية، ووقف الفظائع الجماعية، ووضع حد للقنابل البرميلية واستخدام الأسلحة الكيميائية. وعلى الرغم من أن إقرار «قانون قيصر» مؤخراً يمكن اعتباره انتصاراً للأمريكيين السوريين، إلا أن الافتقار إلى سياسة أمريكية قوية من البيت الأبيض يضمن أن القانون لن يكون أكثر من حبر على ورق.
يصوّر المسؤولون الأمريكيّون الوضع في سوريا على أنه تحت السيطرة وأنه جزء مما يسمونه بصورة غير علنية «استراتيجيّة الاستنزاف»، التي يعرّفونها، بشكل مخالف للاعتقاد، بأنها تحتاج إلى مشاركة أقل وليس أكثر. وقد أصبح من الواضح أن السياسة بشأن سوريا هي في الواقع سياسة لا سياسة لها، والتي تنازلت عن السلطة والمسؤولية لصالح خصومها الذين لا يهتمون بحقوق الإنسان أو بوجهات النظر المشروعة للشعب.
بعد انسحاب بعض القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا في تشرين الأول/أكتوبر، ملأ الفراغ الناتج عن ذلك الحلفاء الرئيسيون لنظام بشار الأسد، أي روسيا وإيران، بينما تراجعت القوات الأمريكية إلى منطقة أصغر نطاقاً. فضلاً عن ذلك، وفي ظل غياب الوجود والسياسة الأمريكيين، فإن الولايات المتحدة تفتقر إلى النفوذ السياسي الهام الذي تحتاجه لإرغام الأسد على الانتقال إلى حكومة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع البلدان المجاورة.
وتحت ستار «منطقة آمنة» في شمال شرق سوريا، أصبح الشركاء الأكراد السابقون للولايات المتحدة ضحايا لحملة تطهير عرقي، إذ تقوم القوات المدعومة من تركيا بطردهم بعيداً عن ديارهم، لتضع مكانهم لاجئين سوريين معظمهم من أصل عربي. فـ «قوات سوريا الديمقراطية» التي يغلب عليها الطابع الكردي، لم تعُد تملك سوى خيارات محدودة للبقاء وما كان أمامها سوى التعاون مع نظام الأسد على مسؤوليتها الخاصة، فيما لا يزال قمع هذا النظام للهوية الكردية السورية حيّاً في الذاكرة.
لعلّ السياسة الأمريكية الوحيدة التي أعلن عنها الرئيس ترامب بشأن سوريا هي «تأمين حقول النفط» في الأراضي التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية». وفي الواقع، فإن النفط الذي ساعدت الولايات المتحدة في تأمينه يباع في النهاية إلى نظام الأسد من قِبَل حلفاء واشنطن الذين تم التخلي عنهم مؤخراً، أي «الإدارة الذاتية الحكم في شمال وشرق سوريا»، ذراع الإدارة المدنية لـ «قوات سوريا الديمقراطية».
والمفارقة هنا صارخة: فالسياسة الأمريكية تتلخص في تأمين النفط الذي سيعود بالنفع على نظام الأسد بشكل غير مباشر، مع العمل في الوقت نفسه على إقرار مشروع قانون في الكونغرس من شأنه أن يفرض عقوبات اقتصادية على أولئك الذين يتعاملون مع الأسد.
بالإضافة إلى ذلك، تُفيد هذه السياسة نظريات المؤامرة المؤيدة للأسد، التي تزعم أن الولايات المتحدة تسعى فقط لسرقة النفط وإضعاف الوحدة العربية. وفي هذه السياسة، يكون الأسد رابحاً في كلتا الحالتين.
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الفوضى على الأرض تسمح لتنظيم «الدولة الإسلامية» بالنهوض مجدداً في سوريا. فمنذ آذار/مارس، زادت الهجمات التي شنّها التنظيم في معقله في سوريا (محافظة دير الزور) بنسبة 26% مقارنة بمعقله في العراق (محافظة ديالى) (461 و 364 على التوالي). ومما لا شكّ فيه أن حصر 600 جندي أمريكي في منطقة منكمشة في شمال شرق سوريا، سيحدّ من قدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخباراتية ومنع تنظيم «الدولة الإسلامية» من استعادة السيطرة على الأراضي.
وعلى الرغم من إقرار «قانون قيصر»، لا يملك الأسد حافز حقيقي يُذكَر لإنهاء الفظائع التي يعاقبه عليها الكونغرس. فهو ينال غطاءً جوياً من القوات الروسية، التي اشتهرت بقصف أهداف مدنية عن عمد، ومن قوات «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، والميليشيات الشيعية الأجنبية التي تستمر في تطهير ما تبقى من المعارضة المحلية على الأرض. هذا ولم تعد الولايات المتحدة تشكل تهديداً لسلطة النظام بسبب الطبيعة المحدودة لمشاركة واشنطن الحالية في سوريا.
ومن المرجح أن تتحول «المنطقة الآمنة» إلى منطقة خطرة، مع جولات جديدة من التفجيرات وأعمال الخطف والتعذيب والاغتيالات التي تستهدف الناشطين واللاجئين الذين فروا من فظائع الأسد منذ بداية الصراع.
إن «قانون قيصر» لن يضع حداً للكارثة السورية ما دامت واشنطن لا تنتهج أي سياسة في سوريا. و»من أجل إرغام حكومة بشار الأسد على وقف هجماتها الفتاكة على الشعب السوري»، لا يستطيع البيت الأبيض أن يتنازل عن نفوذه السياسي والعسكري لصالح خصوم الولايات المتحدة في سوريا.
إن الأسد هو السبب وراء تنامي المتطرفين أمثال تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة». وطالما أنّه في السلطة، فإن رغبة واشنطن في إنهاء «الحروب التي لا نهاية لها» لن تنتهي أبداً، على الأقل ليس في سوريا.
عن واشنطن بوست