الرمز الاستعاري وتصعيد التكنيك الشعري في (بستان الليل)

علوان السلمان

النص الشعري خطاب يتعاطى المحفزات الانسانية عبر علاقات جدلية وقوى تعبيرية تحقق تأثيرها الوجداني بخلق اللمسة الجمالية المستفزة لذاكرة المتلقي(المستهلك)المتسائلة..لتحقيق المتعة والمنفعة الباعثين على الخلق والابداع..
وباستحضار المجموعة الشعرية(بستان الليل) التي وشمت بياضاتها تراكيب جملية انتجتها ذهنية الشاعر كاظم مزهر واسهمت دار امل في نشرها وانتشارها/2015.. وهي تضع بين يدي متلقيها عوالم الطبيعة الليلية بمكوناتها التي تناجيها الروح المعبرة عن مكنوناتها الذاتية القائمة على الاحساس بوقع الكلمات من حيث(شكلها وصداها لا من حيث المعنى)على حد تعبير سارتر..
الليل
مرساة لابحار النهار
الليل مرآة كما شئت تدار
اياك ان تبدي انشطارك
فالرؤى عصف
وهل يلتم في العصف انشطار؟ ص7
فالنص يتأثث من تلاحق الصور القابضة على لحظة الانفعال مما يمكن المنتج(الشاعر) الانفتاح على تقنيات السرد البصري السيمي الذي يتطلب حضور المكان الحاضن لفعله وانفعالاته..فضلا عن الاستغناء عن التفاصيل والاستطرادات الوصفية بتوظيف الرمز والاساليب البلاغية(مجاز/استعارة..) المضفية على النص عمقه الفكري وبعده الجمالي الذي يتجلى بصوره في كونها قيمة اجتماعية وموقف انساني يكشف عنه الشاعر عبر عاطفة تختلج في ذاته بتوظيفه(الليل)الظاهرة الكونية التي يستوحي منها صوره ويجعل منه ملاذا ومعبدا يبتغي فيه قيم الجمال..اضافة الى انه يجعل منه بؤرة موضوعية تحتضن التشكيل الكلي بعنواناته الفرعية المضافة لعتبة العنوان الرئيسة التي هي الايقونة المانحة للنص هويته التي حدد دورها(ليو هوك) في(الاستثارة والاختزال..)المنتزعة من روح النص المندرج ضمن الحقل الدلالي المحقق للبعد الوجداني والفكري(هل ترى بستان الليل؟/ ليس لاشجاره زارع سواك..) اضافة الى الاهداء النص الموازي والظاهرة الثقافية والفكرية المتميزة بامتدادها التاريخي الذي يؤطر المعنى..اذ شكلت على مستوى البنية التركيبية والمعمارية نصا قصيرا..
الى بهائه وهو يسر الجالسين
بحكايات ريفه المقدس
الى لحن حنجرته
وهو يطرد عن اوتارها بقايا دخان
الى انامله البارعة
وهي تبدد وجع الحصار في لفافة تبغ
الى راحل في صبح هاديء
ابي نقيا عاش..نقيا مضى /ص5
فالتوطئة وانتهاء بـ (ليل بليل) وتحصيل حاصل:
ما الليل الا غروب الشمس
الغروب ليس الا غياب الضوء
كل ذلك لان الارض تدور..ص77
للتعبير عن انفعالات الشاعر ومواقفه..كونه يجيد العزف على اوتار الليل روحيا واشاريا ليخلق ايقاعا ينطلق من بين ثنايا التراكيب الجملية وتقنية التكرار اللفظي..الاسلوب الدال على التوكيد والنمط الصوتي والدلالة النفسية التي من خلالها يعلن الشاعر عن مشاعره المكبوتة..فضلا عن كونه رمز استعاري معبر عن قيم غامضة تسهم في تصعيد التكنيك الشعري..اذ فيه تسمو التجربة بتحول الصورة الى رؤيا تستمد دفقها ونموها من الذاكرة الذاتية والموضوعية بتوليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي..

ايها الليل
يا صندوق الخيانة المزجج بالكتمان
لانك شعار مباح وسميك
تتدلى المواعيد المزنرة بالخشبة
من هامة صمتك الى اخمص السقوط ص3
فالشاعر يشتغل على خطاب الصورة بوصفها مشهدا بصريا مرئيا لتحقيق المتعة الجمالية المنبثقة من بين ثنايا النص عبر لغة تخاطب الوجدان بتدفق وانسياب لفظي يمتاز بعباراته المكثفة..الموجزة..مع اعتماد اسلوب التراكم الدلالي للمتناقضات الحاصلة داخل نسيج النص المشبع بقدرته التعبيرية ضمن حدود الزمكانية من جهة وتأثير الحالة النفسية من جهة اخرى..ابتداء من العتبة الاولى المنتزعة من ايحاءات(الليل) الرمز الذي اتخذه الشاعر شفرة للكشف عن المعالم الشعرية بلغة محتشدة بالصور المرئية التي ازدحمت بالموجودات الشيئية المثيرة للجدل من خلال سياحته في اعماق الذات الانسانية باضفاء مسحة درامية وتوظيف لغة مستنبطة من نسق رؤيوي..وجداني..على وفق حلمية الذات الشاعرة وتوجهاتها لتحقيق البعد النفسي والسلوكي..باعتماد تقنيات فنية كالنداء الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان المنتج(الشاعر)تراكما كثيفا مترابط الوحدات..والتنقيط الذي يعد وسيلة تعبيرية وتشكيلية جمالية تشير للمحذوف من القول(المسكوت عنه) الذي يستدعي المستهلك(المتلقي)استيعاب المضمون النصي والوقوف على الدفق الفكري للمنتج ومن ثم المشاركة في املاء البياضات النصية..فضلا عن الرمز الاداة الفكرية للتعبير عن قيم غامضة لغرض تصعيد التكنيك الشعري..وسمو التجربة الشعرية..
مذنب انت
بما ارتكبت من حكايات
وان كان كلام الليل
لا يثبت للود شهادة /ص67
فالنص يقوم على اساس جمالي قوامه اللمحة الفكرية التي تكشف عن حالة نفسية بلغة تشكل وسيلة تبليغ وغاية في حد ذاتها والتي يعمل الشاعر على تفجير قدرتها الايحائية والانزياحية كي يكشف عن وظيفتها الجمالية من خلال توظيفه للرمز الاشاري الذي يتحول في النص من الوعي البصري على حد تعبيرد.ج.لورنس الى وعي ذهني..كونه يمتلك قدرة ايحائية لما له من بعد فكري ونفسي خالق للعمق التصويري المشبع بالمفارقة الاسلوبية…
وبذلك قدم الشاعر نصوصا شكلت دراما نفسية بلغة مشحونة بايحاءاتها ومتصفة بمستويين لغويين:اولهما مستوى خارجي يتعامل مع اللغة وتراكيبها من خلال مدلولاتها المعجمية..وثانيهما مستوى داخلي يتفاعل وظلال الالفاظ ليخلق موحيات جديدة عبر اتساق العبارة ..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة