جمال جصاني
لم يمر وقت طويل على اللحظة التي شهدنا فيها تبخر مؤسسات النظام المباد، حتى انطلق ماراثون «العداؤون وراكبو الدراجات» الى حيث المفاصل الدسمة من الغنيمة الأزلية. هرولات جذبت لعجاجها كل انواع القوارض المحلية والاقليمية والدولية، نتاج كرنفالات الشراهة تلك؛ ان تلقف زمام الامور في هذه المستوطنة القديمة نوع من المخلوقات يمكن ان نطلق عليها لقب (صقور التشرذم) حيث تنسجم مواهبها وشراهتها واندفاعاتها في قضم ما تبقى من اواصر الوحدة والتضامن، بين شعوب وقبائل وملل هذا البلد المنكوب وخارطة التشرذم المرسومة له في مطابخ دول الجوار.
ومن الاهمية بمكان الاشارة الى الاختلاف النوعي بين هؤلاء الصقور المحليين الذين جاءت بهم هزائمنا وخيباتنا السياسية والحضارية، وصقور الدول والمجتمعات الاخرى، حيث الصرامة في الدفاع عن المصالح الحيوية للوطن والمشاريع السياسية الواضحة والمتوازنة، مقابل العري الكامل لصقورنا المحليين من ناحية السيرة الذاتية والرؤى وفقرها الروحي والقيمي، وغربتها عن روح الايثار وخدمة الشأن العام، وهي كما هو معروف من اولويات العمل السياسي والوطني، أما من له تاريخ في العمل السياسي فنجده متخماً بالمواقف الذاتية الضيقة والطائفية والشوفينية المتنافرة والمصالح العليا للوطن والناس. لذلك لم يكن غريباً امر حماستهم وعنفوانهم في العمل من أجل شرذمة العراق وتفكيك اواصر اللحمة بين سكانه من شتى الرطانات والازياء، حيث تتفق مناخات الاحتقان والتمترس على اساس فضلات «الهويات القاتلة» واحلامهم المريضة في امتلاك ولايات خاصة بسلالاتهم المعاقة وذواتهم المتورمة.
واليوم وبعد غزوة الموصل وظهور مواهب مشترك مميز من القوارض الاشد فتكاً (داعش) انتهى الحفل التنكري الذي اضطروا اليه لحظة سقوط رمز القوارض في ساحة الفردوس، لينتقل النشاط الى المفردة المحببة للسيد الجعفري (الشفافية) حيث سقطت المساحيق الاخيرة عن كل المنتسبين لنادي صقور التشرذم. ومن يتابع المشهد الراهن لن يجد صعوبة في اكتشاف حجم الفرح والغبطة التي انتابتهم بعد لحظة 10-6-2014 حيث الصرخة التي تفوقت على عبارة نيوتن الشهيرة بعد سقوط التفاحة عندما قال: وجدتها. ونحن بدورنا ايتام هذا الوطن المنكوب من وطنيين عراقيين وديمقراطيين ومستقلين احرار لم تمنحهم الاقدار فرصة ارسال ممثل عنهم بعد عدة جولات انتخابية للسلطة التشريعية، نقول ان العراق يقف اليوم على حافة الهاوية، ولم يتبق لنا سوى وقت قليل لنختار بين اثنين لا ثالث لهما: العراق أم صقور التشرذم من جميع الكتل والتيارات التي تقاسمت الغنيمة بعد الفتح الديمقراطي المبين وتلك المؤتلفة قلوبهم مع الفلول..؟