صادق باخان
هل يمكن القول ان القراءة تصنع كاتبا جيداً؟ الآراء شتى في هذا الجانب ولكن القراءة تظل عاملاً جوهرياً في صناعة الكاتب.
قبل مدة جاءني شاب وطلب مني ان اعينه في اختيار طائفة من الكتب ليطالعها لأنه وجد في نفسه ميلاً للأدب، فسألته ان كان جاداً في مسعاه فأكد لي انه في غاية الجدية، قلت: حسناً، اذهب اولاً الى قراءة الملاحم، ملحمة كلكامش العراقية وملحمتي الالياذة والاوديسا اليونانيتين وانشودة رولان الفرنسية وبيولف الانجليزية واذا فرغت منها تعال الى هذا العصر الذي يقال له العصر الجاهلي واقرأ المعلقات التي اختلف الباحثون في عددها ثم اقرأ الشعر الذي قيل في صدر الاسلام ثم عرج الى الشعر الاموي ومنه الى الشعر العباسي وتوقف وقفة طويلة واقرأ قراءة متأنية ديوان المتنبي ومعه شرح ابن جني واقرأ دواوين ابي تمام والبحتري والمعري وابن الرومي وسواهم من عمالقة الشعر العربي الكلاسيكي ثم قف متأملا في هذه الكتب الممتازة مثل الاغاني للأصفهاني والبيان والتبين للجاحظ وديوان الحماسة لابي تمام واقرأ الرسالتين، رسالة ابن القارح ورسالة الغفران للمعري، ولا اطيل عليك فعليك ان تولي عناية بأدباء المهجر من امثال جبران ونعيمة وماضي واقرأ كتب طه حسين واخص منها في الشعر الجاهلي وحديث الاربعاء والايام، وبعد فراغك منها تعال الى الشعر الحر فاقرأ للسياب والملائكة والبياتي والحيدري وادونيس وحجازي ونزار قباني ثم تعال الى الادب العالمي فاقرأ لشكسبير وغوته وديستويفسكي وتولستوي وبلزاك وديكنز واليوت وباوند وشو وسارتر وكامو وداريل و… ثم وجدت صاحبي الشاب يقاطعني محتجا: اتريدني (عمو) ان اقرأ كل هذه الكتب؟ سوف احتاج ثلاثين سنة لأفرغ من قراءتها فمتى استطيع ان اكتب وانشر ما اكتبه؟
قلت: هذا ان شئت ان تكون اديباً ممتازا وليس مثل هؤلاء الذين لا يفرقون بين حافظ ابراهيم وبين حافظ الشيرازي، وينبغي ان تعلم ان الروائي الاميركي هنري ميللر قد بدأ الكتابة وهو في الخامسة والاربعين من عمره وقدم لنا روائعه مدار السرطان ومدار الجدي وثلاثية الصلب الوردي وعملاق ماروسي، فوجدت الشاب ينصرف عني من دون ان يودعني اما انا فعدت لاستأنف قراءة مسرحية هملت لاعد مبحثاً لطالب يتولى دراسة الادب الانجليزي في كلية اللغات.