لوري بلوتكين بوغارت
جاء اعتقال عدد من أبرز نشطاء حقوق المرأة في السعودية، قبل ستة أسابيع من موعد السماح للنساء بقيادة السيارات بمنزلة صدمة للجميع. فبعد انتشار خبر الاعتقالات عبر القنوات غير الرسمية، أشار إعلان رسمي في ١٩ أيار/مايو بشكل مبهم إلى احتجاز أفراد يسعون إلى «تقويض أمن واستقرار المملكة» وإضعاف «الوحدة الوطنية» من خلال شتى الأنشطة. وسارعت وكالات الأنباء المحلية إلى التشهير بالنشطاء – بعضهم معروف في الخارج كدعاة سلميين – ووصفتهم بأنهم «خونة».
بالنسبة للأميركيين والأوروبيين، جاءت الاعتقالات في أعقاب الجولة الخاطفة التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود في بلدانهم لتعزيز أجندة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ضمن «رؤية المملكة ٢٠٣٠» التي يقوده الأمير. وخلال مقابلة ضمن برنامج «٦٠ دقيقة» تم بثّها مباشرة قبل زيارته للولايات المتحدة، وافق الأمير على أن النساء متساويات مع الرجال («نحن جميعاً بشر وليس هناك فرق»)، حيث قال، «لم تحصل المرأة السعودية بعد على حقوقها كاملة. هناك حقوق نص عليها الإسلام ما تزال تفتقدها. قطعنا شوطاً طويلاً جداً وبقي القليل».
وتَركّز جانب كبير من المناقشات حول الاعتقالات على المفارقة بين ما كان ولي العهد يُروج له كجزء من أجندته الإصلاحية وبين احتجاز النشطاء. وليس هناك شك في أن هذه المسألة معقدة لأن الأمير محمد بن سلمان تمكّن من إحراز تقدم ملحوظ، وإن كان محدوداً، فيما يتعلق بمكانة المرأة السعودية ودورها – في القوى العاملة، وفي أماكن الترفيه، وفي ما يخص القوانين الجديدة المتعلقة بأمور مثل الطلاق وحضانة الأطفال. وعلاوة على ذلك، يتوقع البعض أن يتم سحب الاستحقاق القانوني للمرأة في قيادة السيارة يوم ٢٤ حزيران/يونيو، على الرغم من بعض الجدل الذي أثارته القضية في المملكة.
يمكن فهم التزام الرياض بالتقدم الاجتماعي المدعوم من قبل الدولة وبأعمال القمع ضد النشاط الشعبي المشجع على مثل هذا التقدم على أنه يشكل ركيزتين لاستراتيجية أمنية حكومية أوسع نطاقاً. إن حملة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي تترأسها القيادة السعودية تمثل فوق كل شيء جزءاً من أجندة أمنية شاملة مصممة للتغلب على الظروف الوطنية والإقليمية الخطرة. ومن وجهة نظر القيادة، تمثّل معاقبة الناشطين المستقلين والنقاد المحتملين (وإبعاد آخرين) تكتيكاً متوازياً – وليس متضارباً – لحملة الإصلاح. ولم يكن البرنامج الإصلاحي الخاص بولي العهد متعلقاً أبداً بالإصلاح السياسي، كما يفهم الأمريكيون هذا المصطلح، وليس لدى الرياض خطط للسير في هذا الاتجاه. ولا يقتصر جوهر استراتيجية الأمن في المملكة على السعودية حصراً، كما أن المخاوف الأمنية المشتركة وجهود الإصلاح في الممالك الخليجية الأخرى تساعد على معرفة ما يحدث في السعودية وإلى أين تتجه الرياض.
وتشكل مشاريع الإصلاح الأخيرة في الخليج جزءاً كبيراً من الرد على ثلاثة مخاوف أساسية في السنوات الأخيرة. تتمثّل إحداها في الانخفاض في أسعار النفط منذ عام ٢٠١٤، الأمر الذي عصف بالميزانيات الخليجية التي تعتمد على إيرادات النفط.
أمّا القلق الثاني فيتعلّق بضعف الحكومات المتأصل تجاه نوع الاحتجاجات الشعبية، والثورات، والحروب الأهلية الناشئة من «الربيع العربي». فقد حطّمت الأحداث العاصفة خلال السنوات الأولى، ممّا يعرف بالربيع [العربي]، أي انطباع سائد بالأمن في الخليج. وشكّل وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم في مصر مصدر قلق خاص للإمارات والسعودية.
وتتفاعل هاتان المسألتان الأساسيتان – إحداهما متجذرة في الاقتصاد والأخرى في السياسة – وتتداخلان مع بعضهما البعض لإيجاد تحدٍ ثالث. ويكمن ذلك التحدي في كيفية الاستجابة للعدد المتنامي من شباب الخليج. ويبحث العديد من شباب الخليج عن فرص للمشاركة في الخطاب السياسي، والحصول على معلومات غير محدودة حول التطورات المحلية والإقليمية وأداء الحكومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأخيراً، إن ما يزيد من المخاوف الثلاثة هي نظرة [دول] الخليج العربي لمكاسب إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بما فيها في شبه الجزيرة الخليجية، والتساؤلات الخاصة حول الالتزام الأميركي الحالي المتعلق بأمن الخليج العربي.
ولمواجهة هذه التحديات، تتّبع معظم دول الخليج العربية مسارين رئيسيين للإصلاح: الإصلاح الاقتصادي الذي يركز على توسيع الاقتصادات الوطنية إلى ما يتخطى قطاع النفط، والإصلاح الاجتماعي الذي ينطوي على توفير الفرص الترويحية والثقافية والترفيهية وغيرها من الإمكانيات للسكان لكي يتمتعوا بحياة سعيدة يحققون فيها طموحاتهم ومن أجل المساهمة في النمو الاقتصادي الوطني. ويقيناً، أن ممالك الخليج كانت تنوي القيام بخطط تنمية مماثلة منذ سنوات، ولكن التحديات الأمنية الجديدة جعلت هذه الجهود أكثر إلحاحاً. وبالمثل، اقترن الجهد الأخير للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ببيئة سياسية أكثر تقييداً.
ويتبلور المخطط المستقبلي الخاص بالسعودية من خلال خطة «الرؤية ٢٠٣٠» التي اعتمدتها. فالهدف الرئيسي لهذه «الرؤية» هو تنويع الاقتصاد، حيث يدرك ولي العهد الحاجة المالية (والسياسية) الملحة لتحويل الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط.
ووفقاً لأحد واضعي «رؤية السعودية ٢٠٣٠»، تحتضن خارطة الطريق الوطنية أيضاً خيال الشباب السعودي واهتمامه بقضايا مثل التعليم، والمهنة، ونوعية الحياة – وليس بالقضايا الخاصة بالمسؤولين الأكبر سناً الذين يأملون في تحقيق إرثهم. وفي هذا الصدد، سمح ولي العهد بالإنفتاحات المجتمعية التي تخضع لمراقبة مشددة، في الوقت الذي كبح فيه سلطة الشرطة الدينية. فقد حدثت تغيرات ملحوظة في المجتمع بسرعة كبيرة لدرجة أن البعض يقلق من أن الوتيرة تنطوي على مخاطر سياسية. ووفقاً لمسؤول سعودي، يكمن التحدي الرئيسي في الموازنة بين سرعة التغيير التي تحتاج إليها المملكة من أجل الصمود اقتصادياً، مع مقدار التغيير الذي يمكن للمجتمع أن يتحمله.
وعلى النمط نفسه ، تتمثل إحدى الأفكار المتداولة في السعودية في أنه من أجل أن تمضي القيادة قدماً في التنفيذ التدريجي للإصلاح الاجتماعي دون رد فعل عنيف من جانب المحافظين المتشددين، من الضروري إيجاد بيئة سياسية خاضعة لسيطرة مُحكّمة. ويمكن سماع هذا السيناريو من قبل كل من النخبة السعودية التي تدعم بنشاط ولي العهد ومن المواطنين السعوديين الاعتياديين أيضاً. ومن الملفت للنظر أن هذه الفكرة قد تم تداولها أيضاً في دولة الإمارات المجاورة. فالكثيرون هناك ينظرون إلى القيادة الإماراتية كونها حصناً منيعاً ضد الإسلامويين، الذين يسود الاعتقاد أنهم سيعتمدون سياسات اقتصادية واجتماعية رجعية إذا لم يتم كبحهم. وبشكل عام، يشعر البعض في الخليج بالعداء تجاه الفكرة [التي تتبنى] أي نشاط سياسي يُفهم بأنه يعرض «الاستقرار الوطني» للخطر.
وفي الوقت نفسه، فإن ما هو واضح هنا أنه في أعقاب ثورات «الربيع العربي» والحروب الأهلية، وظهور الجماعات الإسلامية السياسية، والنمو السريع لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، والمكاسب الإقليمية الإيرانية ودعم الشركاء والوكلاء في العالم العربي، والالتزامات الأمنية غير المضمونة من قبل الأمريكيين، تقوم معظم الحكومات الخليجية بالضغط على الجهات الفاعلة المستقلة مهما كانت توجهاتها الدينية أو السياسية أو غيرها. ومن المرجح أن يستمر النقاش حول ما إذا كان تحقيق التوازن بين شتى الأوساط المحلية يدخل في إطار صنع القرار السعودي بشأن من يجب اعتقاله ومتى، لكن القضاء على المنتقدين الفعليين أو المحتملين بشأن قضايا السياسات الوطنية والإقليمية الحساسة يظل هدفاً أمنياً مستقلاً. وقد يكون من الصعب للغاية تحقيق ذلك بسبب ميل مواطني دول الخليج إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم، على الرغم من أن عواصم الخليج تبذل جهوداً كبيرة لمحاولة السيطرة على هذه المساحة أيضاً.
أمّا بالنسبة إلى السياسة الأميركية، فمن مصلحة الولايات المتحدة توفير الدعم السياسي والتجاري لجهود الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في السعودية. فالإنجازات السعودية في المضي قدماً نحو مستقبل أكثر استدامة ستشكل نجاحاً للمصالح الأميركية أيضاً. وفي الوقت نفسه، فإن الاعتقالات المتعلقة بحقوق المرأة تمثل تذكيراً آخر بالتحدي الدائم المتمثل في الموازنة بين المصالح الاستراتيجية والقيم السياسية وغيرها من القيم الأخرى عندما يتعلق الأمر بالشركاء الدوليين. فمن وجهة نظر أميركية، يجب أن يكون النشطاء السلميين لحقوق المرأة حلفاء طبيعيين في الحملة السريعة الخاصة بالإصلاح الاجتماعي في بلد ما.
وما يزال من الصعب الحث على اتباع سياسات أكثر ليبرالية نحو الإصلاح السياسي في الخليج عندما يرى شركاء أمريكا في الخليج بأن هذه السياسات تتعارض مع مصالحهم الأمنية الخاصة. أمّا بالنسبة إلى القضايا الأخرى التي تشمل شتى المجالات، فإن علاقة العمل الوثيقة على مستوى القيادة تشكّل إحدى الديناميكيات التي يُفهم أنها تعزز النفوذ الأميركي في الخليج. وما تزال هناك أسئلة حول مدى التأثير الأميركي في المنطقة. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتعلم من الأحداث الصاخبة التي وقعت في العام الماضي بأن موقف القادة الأميركيين تجاه المملكة وحلفائها الأقرب هو أكثر تأثيراً على سياسات هذه الدول ممّا يعتقد الكثيرون.
*لوري بلوتكين بوغارت عملت زميلة «باربارا كاي فاميلي» في معهد واشنطن.