الدكتاتور فنّاناً

كتاب “الصباح الجديد” عن تأريخ لم يطوَ(الدكتاتور فنانا) لرياض رمزي
هل يمكنك أن تقرأ طوال خمسين سنة، وتعبّ مئات الروايات والمخطوطات ودواوين الشعر وكتب علم الاجتماع والدراسات المستقبلية، وأن تصبر على إكمال قراءة مجلد موبي ديك العقد والمتشابك، وتفكك خطب صدام حسين ومؤلفات اسحاق دويتشر وبرزان التكريتي والمركيز دي ساد ونيتشة وأمهات كتب التراث، بثلاث لغات حية، العربية والإنكيزية والروسية ثم تؤلف كتابا واحدا لا تتجاوز صفحاته على المائة والأربعين صفحة عن شخصية صدام حسين هي خلاصة كل ما قرأتَ وتأملتَ، إذ يتدحرج الفنان الدكتاتور، أو الدكتاتور الذي تفنن في تدمير كل من ألقاه حظه العاثر في طريقه، وتجبر على الله ومخلوقاته، وانتهى مثل هذه الأيام، قبل أربعة عشر عاما، الى خارج المعادلة بعد أن تسببت حماقاته في كل ما حل بالعراق من كوارث.
يقول الكاتب رياض رمزي في مقدمة كتابه (الدكتاتور فنانا)
بالرغم من أن العراقيين، على عكس الشعوب الأخرى، لا يعدون ظاهرة العنف حالة طارئة في تأريخهم، فأنهم مع اطراد الكوارث المفجعة كثيراً ما يتساءلون : أي لعنة خيمت عليهم ؟ وأي جريمة اقترفوها كي تسير الحياة السياسية لديهم يدا بيد مع القتل؟ما هو سبب هذه التراجيديا التي بدأت تقود الى اعتقاد سطحي لدى البعض يتمثل في تسمية مبسطة يطلق عليها عادة “سوء الطالع ” هل هو التأريخ الطويل للقتل السياسي أم أرواح شريرة سكنت هذه الأرض؟
الحلقة 16
جولييت وجوستين أختان هربتا من البيت، بعد افلاس والدهما لعدم قدرتهما على دفع بدل ايجار البيت. تذهب جوستين (في رواية جوستين او خيبة الفضيلة) الى الكنسية للاعتراف، فيختطفهما رهبان متهتكون مع مجموعة من النساء المختطفات ولكنهم أي الرهبان، يحتلون اعلى المناصب.
فالاب سيفيرينو يحتل منصبا ساميا في مؤسسة خيرية تقرر اختها جولييت الالتجاء الى مبغى (بعدما التجأت الى دير) اين تتعرف الى السماسرة دولبينا التي تقرأ سبينوزا وقت فراغها لكن عملها الفعلي هو القتل من اجل الحصول على لذة كما تتعرف في المبغى الى السمسار نورسيل الذي يقدمها بدوره الى الشرير الفاسق سانت فوند الوزير المتنفذ في الدولة، الذي يصدر أوامر اعتقال اعتباطية مع صديقه دي البريت رئيس لجنة العدالة في البرلمان، الذي يعد جولييت بحصانه على مدى الحياة ،يقتل سانت فوند 30 شخصا في الشهر واحد، كل يوم في حفلات عربدة كل ما فيها غريب وشاذ، اذ يجبر رجلين على ممارسة اللواط مع امرأتين وما ان يصلان الى الرعشة حتى تأتي جولييت وكلير من الخلف فتهشمها رأسيهما بضربتين قاتلتين.
تعرف كلير بناء على طلب فوند جولييت بجمعية اصدقاء الجريمة تعمل جولييت سمسارة لديه فتدس السم لزوجة نورسيل ولوالد سانت فوند نفسه ويأمر منه ،وعندما تلتقي شخصا تحاول سرقته وتودع في السجن يقرر نورسيل انقاذها بشرط ان تورط امرأة بريئة في ارتكاب جريمة يعرض الوزير فوند على جولييت التي يجعل منها أمينة لاسرارها خطة للسيطرة على فرنسا من طريق اشعال حرب البلاد ثم احداث مجاعة تمهيدا للاستحواذ على كل الطعام ما يهلك ثلثي السكان جوعا تصاب جولييت بالذعر من خطة الوزير الذي يقرر قتلها عندما يرى علامات الخوف عليها فتقرر الهرب.

الطبيعة توقظ الرغبة الأولى
يعلمها نورسيل عند لقائهما ان الضعيف عبد للقوي وان على المرء كي يتجنب العبودية ان يمارس الطغيان على اخرين. الرجال كلهم ينزعون نحو الطغيان انها الرغبة الاولى التي توقظها الطبيعة فينا. يعتمد تحقيق الرغبة نحو الرغبة على الموقع في سلم السلطة، فجولييت على سبيل المثال عند غياب سانت فوند ونورسيل تنظم سهرات ماجنة للنساء والرجال الاقل مرتبة لكن نوع هذا المجون يعتمد على مكانة الاشخاص بذاتهم، وهو طبائع لم تخلقها السلطة فيهم انه نزوع فطري وجد في السلطة سبيلا للانطلاق الى الخارج، اي ان هناك قوة داخلية عنيفة أشبه بنشوة من الوجد الديني يستسلم المرء لها ويحصل على فكاك من قيود اسرها فقط عند قذفها الى الخارج هناك وفرة في الرغبات وافراط في المطالب التي تتحول اذا ما بقيت في الداخل الى عود ثقاب حارق فتدفعه الارادة الى الخارج منعا لحصول فجوة بين الرغبات والمطالب.
هذه هي كرة ساد المعلقة على مدفع، انها مثل قنبلة تحت ماء النهر، ستنفجر ان بقيت او انتشلت هذا هو قانون الكتابة وان خرجت تعطيه سلاما لكنها تقتل اخرين هذه هي الوصفة التي طرحتها جولييت للكتابة ،اذهب الى الفراش وبصمت وفي عمق الظلام اعطي الحرية لخيالك كي يستعرض كل انواع الظلال امامك ، اقنع نفسك بان العالم في متناول يدك وانه من حقك ان تغير وتشوه وتهدم كي تحصل على اللذة، ان افكار تصل اليك بهذه الطريقة سوف تحيلك الى عبد لها عندئذ سيأخذ السعار بتلابيبك وتنهمك في العمل هذا هو مبدأ الرواية في الواقع خيال يتحول الى رغبة تبحث عن منفذ عن طريق الكتابة التي تعطي الكاتب عند اخراجها الى الخارج امكان الحصول على نشوة الافراغ.

نظام اجتماعي ثابت
في رواية 120 يوما من سدوم يقيم ساد نظامه الاجتماعي المتخيل في قلعة تقع في احدى غابات المانيا بين جبال تغطيها الثلوج طوال العام لا أحد يقدر على الدخول والخروج انهم محاطون بهواء ساكن وماء متجمد حتى الغذاء يأتي من كوة في السقف، وهذا يعني ان لا احد في السماء يقف فوق رؤوس الابطال ليعرقل سير النظام الاجتماعي في طريقة المرسوم بالغا من بلغت سطوته.
يتألف المجتمع من الابطال الفاسقين الزوجات الخدم من البنات والصبيان، والعاهرات ،القانون السائد هو قانون المتعة القاسية الذي يقلب كل شيء الى نقيضة المتعة تتحول الى قسوة لا تشعر مرتكبيها بالذنب لانها انجاز الجنس يتحول الى مجون الحب الى الخوف توفير الحماية لآخرين يضحي صدفة العدالة تمسي سخرية اما العمل السياسي فيقدم في قبل اللهو.
عندما اكتشف بلوج مخطوطة هذا الرواية” 120 يوما من اللواط”، بين انها ليست نتاج عقل مريض فحسب بل سلوك يعتمد على تقارير عن طقوس الفسق ،وأجواء المباغي في فرنسا في القرن الثامن عشر وقد كانت ترفعها إدارات المباغي الى السلطة المختصة اكتشف ساد من هذه التقارير أنواع الولع والرغبات الجنسية واشكال العدوان في الممارسات الجنسية كان السوط المعلق في مخادع العاهرات يدل على رغبات جنسية تتأجج لدى الرجال الذين هم في اعلى التراتبية الاجتماعية وهي رغبات سماها ساد المازوشية ان يطلب الرجل من العاهرات جلدة قبل ممارسة الجنس لا يشير المنظر الماجن هذا الى حالات فردية بل الى سيكولوجية منتشرة.
تشير دائرة التهتك لدى العائلة الحاكمة في العراق الى نوع من الاخلاق السائدة التي ترتكز على اخلاق حديثي العهد بالنعمة الذين أتيح لهم الحصول على كل شيء فقاموا بمشاهد فاسقة كرنفالية ساعدت على تشجيع وقائع محددة: الحروب، الحصار، القمع، زوال القانون، عندما تتسلط الافعال الشاذة التي تتخطى الحدود على عقول هذا النوع من مغتصبي السلطة فانها توقظ ضربا من بهجة غير مألوفة لديهم فيندفعون الى ارتكاب افعال محرمة تتحول الى موضوع للعربدة.
وعليه اذا وقع في يدك لم يصرح الكاتب فيه بمقاصد فانك ستجد الكاتب نفسه في المعاني التي تعشش في النص على نحو لا يلفت الانتباه.

رؤية فرويد
الم يكتشف فرويد الزنى بالمحارم وعقدة اوديب من نص لم يصرح بذلك قط؟ والم يقل ساد ان تعذيبه للنساء هو تعذيب بالوكالة لامة المتلبسة في نساء أخريات فهو الذي عاش في ظل اهمال الام عد إعادة الإنتاج لدى المرأة خصلة يتم المعاقبة عليها كما سبقت الاشارة اذ تحفل رواياته بفعل اللواط وهو احتجاج عنيف على الوظيفة المركزية للام يؤكد ساد في رواية فلسفة المضجع ان كل شيء في العالم يخضع للنزوة (caperice) وان النظام الاجتماعي لا يبنى على قواعد أخلاقية فالرجال في ساحل العاج والغابون في الرواية يصيرون زوجاتهم عاهرات لأولادهم وهذا ما يثبت ان القاعدة الاخلاقية الزنى بالمحارم ليس تابو أخلاقيا في جميع انحاء العالم.
تبين الامكان التي تجري فيها الاحداث في الروايات السوداء (قلعة سلنج في رواية 120 يوما من سدوم). المبغى في رواية جولييت او ازدهار الرذيلة وكنسية سام ماري السرية في الغابة في رواية جوستين او خيبة الفضيلة، ان ممارسة المتعة والمجون يمارسها السادة في مجتمعات مغلقة ذات تراتبية اجتماعية شبيهة بدولة المخابرات السرية ترتكب فيها الجرائم في مرحلة تركيز القوة أولا، ولاحقا تستخدم تلك الجرائم بكفاءة مع إضافات تستدعي دعم القتل والقسوة مستندة الى دوافع فكرية لكي لا تفسد متعة القتل لدى الاسياد ، مطلقة في الوقت نفسه ضربا من غسيل الدماغ للمنفذين يجعلهم ينفذون الاهوال ببطء ومن دون تخبط النظام في هذه الروايات نظام الامكان المغلقة التي يسيطر فيها السادة على العاهرات بواسطة الخادمات في سلوك مبرر على الدوام: الغدر، الاغتصاب، الكذب، السرقة التي يقول عنها دوفال اللص الكبير في احدى محاضراته في المبغى ان اصل الملكية هو الاغتصاب وان السرقة وسيلة لاعادة توزيع الملكية لكن الهدف الفعلي للسرقة في نظرية ساد هو التلويث انها فعلة شبيهة بتوزيع فطائر على الجمهور بعد قلبها بزيت مغلي بمادة ملوثة ما ان تقطع ويأكلها الجميع حتى يتخلوا عن محاولات تحصين انفسهم بعد اكتشافهم ان الجمهور كله قد اكل من تلك المقالي الضخمة التي انتجت الفطائر فلا يعود احدى يسعى الى الحصول على هناء ذهني كثيرا ما يتوافر لدى اشخاص لم يأكلوا من تلك القصعات.
تتخذ المحاولة الروائية لدى ساد طابعا واقعيا لدى السيد الرئيس عندما حول السرقة الى عمل سهل ومشروع لا يتخذ الوانا صارخة كما هي الحال في اسواق الحرامية التي مهدت الطريق لما يسمى حواسم لاحقا في محاولة لتحويل الجميع الى سارقين كي لا ينمو في قلب شخص ما شعور بالتميز، ليس هناك من يقول هذا لا يروقني فالجميع غرقى ولا احد بميسوره اسماع صوته في ضجيج أسواق الحرامية (نهب ممتلكات المهجرين، المعارضون، عرض غنائم البلدان “المفتوحة” وبيعها في الاسواق تحت اسم مقصودة) هكذا اذن ندرس الرواية على شكل كتابة منشأها الرغبة وندرس الحكم كفعل منشأه الرغبة كما سبقت الاشارة ونتيجة التخلص من هوسها بقذفها الى الخارج عندما يقول ساد انني منهمك لكنني ما زلت متوترا يعني ان الكاتب يلجأ الى الكتابة كي يتخلص من مضايقات الرغبة التي لم يعد قادرا على مقاومة اندفاعاتها في الخروج وما ان ينجز الكاتب فعل الكتابة حتى تنهض حاجة متجددة لتكرارها فتتحول الى ما يشبه الشبق الجنسي الم ينتحر همنغواي عندما فقد قدرته على الكتابة؟

مفهوم الإرادة الحرة
عندما سئل الفنان بول كليه عن الرسم، قال: “انه نزهة مع الخطوط”، نزهة ذات هدف تنفذها ارادة حرة. هذا القول نظير لقول ساد عن اللذة التي هي نزهة مع الجريمة، اذ عندما ترتكب جريمة تكون رغبتك في العنف اكبر ،الدرس المستخلص من درس روايات ساد وسيرة حياته هو الاتي: انني حر. وحريتي هي التي تجعلك غير حر. الحرية ارادة شخصية تتحول في الممارسات المتكررة الى موقف من الاخرين الذين يتحولون الى “هم” عندما يمتنعون عن التحول الى مادة لحريتي ويمسون مادة للكره لانهم يمنعون رغبتي من التحقق هذا هو كنه مفهوم الارادة الحرة.
يدخل الفرد مملكة الحرية عندما يصبح قادرا على فعل ما يشاء هل نحن احرار في تحويل رغباتنا الى واقع؟ وما السبب الكامن وراء البحث عن تلبية رغبات غير مشروعة؟ يؤكد هويز ان الحرية هي غياب اي حاجز خارجي يردع الفعل ويمنعه من الحدوث.
فالماء الموجود في اناء الزهور ليس حرا. يصبح الماء حرا فقط عندما يتحطم الاناء.
كذلك الفرد يتمتع بالحرية بمقدار ما يسمح به الحيز الذي يعني به هويز غياب المحددات الخارجية سواء اكانت قوانين، ام اعرافا، ام تقاليد ،ام قوى بشرية تتنازع للسيطرة على الحيز، تعني عبارات ما يحلو لك وساعة تشاء القدرة على تنفيذ الرغبات بلا ادنى اعتبار للعالم الخارجي كي يصل طالب الحرية الى هذا النوع عليه السيطرة على الحيز، او المساحة، او المجال، على نحو عنيف. اي التحول الى مغتصب بانجازه اعمالا عنيفة: التهجير، تخفيف الاهوار، الحروب (كما سبق القول) وكل فعل يؤدي الى ضمور ان لم يكن زوال المحددات الخارجية ، ومن ثم الى غياب ارادات تتصدى لفعل الفاعل تأتي قوة افعال المغتصب من دوام اثارها مثل غيمة سوداء محملة بالرعود والبروق تنذر بالسقوط في اي وقت، فينهمك السكان بالنظر نحو السماء التي تهدد بانزال حمولتها من الامطار والعواصف في كل لحظة واذا ما يوجد المتطلع نحو السماء شقا صافيا فسيمني نفسه بالتسكع خارج البيت عندما تصبح الدنيا اشد بياضا فيتخلص من الضغط المستبد لسماء سوداء دكناء ولكي يؤكد الطقس وجوده عليه ان يمنع الناظرين نحو السماء من استقراء قدوم الصحو من تلك الفتحة التي تحمل نبأ هبوب النسيم وذلك بارسال حمولة جديدة من سحب سود تبدو وكأنها ابدية تجبر الناس على العودة الى بيوتهم.
كي يكون الفرد حرا عليه ان يتصرف على غرار تصرف الطبيعة ان يفعل ما يحلو له وكانه في عالم حديث النشوء ليس فيه حائل يحول او زمرة تقول : انا اعترض هذا غير ممكن.

الرغبة تحكمها القوانين
بهذه الطريقة يمسي تنفيذ الرغبات ليس فعلا اعتياديا بل استثنائيا لا يخضع لاحتياجات او محددات. اذن لاي شيء يخضع هذ الفعل؟ يخضع لإرادة حرة منشأها رغبة تحكمها قوانين يجب البحث عنها في عقل فاعلها (perpertrator) وهذا هو موضوع بحثنا.
لنأخذ المثال التالي: تقدم شخص ما نحو رجال وعاجله برشقة من الرصاص حولت الاول قاتلا والآخر ضحية بما ان القاتل لم يمتنع عن القتل وكان بامكانه فعل ذلك فان الرغبة في القتل موجودة في داخله وليس ممكنا عزوها الى سبب خارجي . اكان الرجل قادرا على الاداء اداء مختلفا؟ بلى ولكنه لم يكن ليحصل على متعة الافراغ التي اثارتها عملية القتل لديه انه لا يسعى الى الحصول على ثناء من الخارج لكونه لا يقاوم بفعل خيري ينوي به نيل بعض الاستحسان انه يرغب في الحصول على متعة يقول سكوت فيتزجرالد عن كتابه الرواية : انك لا تكتب رواية كي تقول من خلالها شيئا بل ان شيئا عن الحب ما اراد تولستوي قوله هو ان شيئا ما حدث في عقل البطلة وانه لم يقم الا بمحاولة قراءة ما اعتمل في عقلها قبل انتحارها ومن يقرأ رواية بها وتعاسه الغانيات لبلزاك لن يجد سببا واحدا ممكنا دفع بالمجرم جاك كولن الى انتحال شخصية راهب اسباني حول ما حوله الى دمار وخراب.
ما من سبب غير وجود رغبات تستبسل في الخروج الى الخارج ايا تكن الصعوبات لا تستنفد العقبات حركة اندفاعها الى الخارج بل تزيدها اضطراما مثل الموج الذي يلطم خاصره الصخور فكلما كانت حضور الشاطئ قوية ركبه جنون اجتيازها وكلما كان هجومه التالي قويا ازدادت جلبه ارتطامه بها عاليا وكلما تحتم عليه معاودة الكرة محولا عزه الابدي على الخروج الى قدر ما منعته قوة الصخور او ألجمت حدة هجماته.
يسعى الموج ان يصبح حرا: لا ارغب في شيء قدر رغبتي في إراقة ما احتويه على الشاطئ، اوصله الى اقدام العابرين على الكورنيش وحتى الى ابعد من ذلك عندما تتحول الشواطئ خربة موحشة بسبب قوة الماء يجلس الجميع في بيوتهم ينظرون خلسة الى الشوارع من وراء الأبواب المواربة يترقبون تصرف الماء متسائلين: هل انسحب الماء؟ هل كف عن طيشه؟ ترى هل هناك عواصف في الافق؟ تدب الحياة في الوقت فقط عندما يقرر الماء الانسحاب ولكن عندما يلبث الماء طويلا في امكان لم يعتد الناس اقتحامها لها وعبثه بحياتهم يتحولون من مبتلين به الى متكيفين بتوافره في ما بينهم لم يقم السكان بشيء الا بتلاعب بسيط في الكلمات لتدب الحياة فيهم متسلحين بمجموعة تفسيرات جديدة تضفي على الحياة نوعا من التلفيق يتملق خوف الجموع عندما هبت ريح عاتية قال بطل رواية الفراشة (papion) لقد ساقت نحونا العناية الالهية رياحا اتاحت لنا طبخ الحساء.
ليس هناك من سبب. هناك مصدر أولي، علة اولى تسببت بالاحداث عندما تقدم القاتل واطلق النار على شخص آخر كان بمقدوره الامتناع عن ذلك بيد انه قرر العكس ما السبب؟ ليس ثمة سبب هناك قرار فقط في عقل القاتل هذا هو مفهوم السبب الاولى انه لم يفعل سوى التسبب. باحداث جديدة لم تصل الحوادث اليه كي يضيف لها شيئا فهو تسبب بسلسلة من الاحداث وراءه يعود ازدهار دراسة الاحداث التاريخية على وفق منهج ماء لو (if what) الى ان الاحداث التاريخية العظمى وقعت لان ارادة اللاعب الرئيسي لم تكن في حالة التراخي او السبات بل في حالة نشاط دائم لذا يقول باسكال مصائب البشر تأتي لان بعض الناس لا يتمكنون من الجلوس مرتاحين في غرفهم انهم في حالة بحث دائم عن احداث طارئه يحولونها الى ضرورية بحيث لا يصبح لتاريخ العالم من قنوات ما عدا التي تجري وفقا لتخميناتهم. الم يقل درايدن :”هناك متعة في الجنون لا يعرفها الا المجانين”

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة