مَنْ يتآمر على مَنْ ؟

تقترب الانتخابات فيهرع السياسيون الطائفيون الكبار، ومهرّجوهم، الى وسائل تخويف ابناء «المكوّن» من مؤامرة (عالمية واقليمية وداخلية) تهدد وجودهم، وأحيانا، يتحدثون (للدعاية) عن مؤامرة تهدد العراق، او مؤامرة «تفتح ابواب جهنم علينا» وكلها تعني شيئا واحدا: انتخبونا لنُفشل المؤامرة وننقذ البلاد والعباد.
رفْض نظرية المؤامرة، في الاقل بالنسبة لي، لا يعني الاعتقاد بعدم وجود مؤامرات وراء الكثير من الاحداث، او لا وجود لسياسيين وفئات وقيادات وزعامات دول يتآمرون علينا، وعلى بعضهم البعض، فالمؤامرة وسيلة قديمة لكسر شوكة الخصوم منذ تكوّنت المجتمعات، وثمة في عمق الموروثات والأخيلة والروايات التاريخية والدينية اشارات وفيرة الى «المؤامرة»: قابيل تآمر لقتل اخيه هابيل.
يوليوس قيصر في مسرحية شكسبير صرخ وهو يحتضر: حتى انت يابروتس، وهي شكوى تُردد من تآمر الاقربين.
لقد تطورت ادوات تنفيذ المؤامرة من حجر قابيل الى خنجر بروتس، عبر الحربة والسيف والسهم واصابع اليدين والنار والحبال والسكين، ومن التآمر بالسم الى احدث تقنيات القتل والاغتيال واحتلال الدول وفرض الاقدار.
المؤامرة في الاصطلاح المدرسي هي «مكيدة» وهى من اصل الفعل «أمَرَ» وتأتى بمعنى التشاور و»الامارة» وأمرَ محمد فلانا بمعني كلّفه بشيء، والقول (القاموسي) انهم تآمروا، يعني انهم تشاوروا حول أحدهم، أي اتفقوا على ايذائه، وفعل الايذاء يعطي للتشاور صفة التآمر، مسبوقة بايحاءات مطَمْئنة للضحية (شخصا أو جماعة) تؤدي به الى الغفلة، وكلما كان الضحية قليل التَحَسّب والحذر واليقظة كان اسهل للوقوع في شباك المؤامرة.
اما نظرية المؤامرة فهي اصطلاح حديث في علوم السياسة، وقد دخل في الاستعمال منذ العقد الثالث من القرن الماضي على هامش الانشقاق في النظام الدولي بتأسيس الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية، وانتشار اعمال الاغتيال والتدخل والتجسس وتراجع الفكر الموضوعي والتحليلي المستقل، وقد اصبح هذا المصطلح معبرا لتفسير الاحداث مع صعود الحرب الباردة، وخصّه «قاموس اوكسفورد» بسطور ضافية عن محاولات تسبيب الاحداث على انها «أسرار» وغالبا «ما يحال الحدث الى عصبة متأمرة».
الى ذلك، قدمت نظرية المؤامرة (كل حدث وراءه اسرار ومؤامرة) خدمات جليلة للذين اختلطت عليهم الامور وصعُب عليهم البحث الصبور الواعي والموضوعي في خلفيات الاحداث، أو الذين ولعوا في توليف الروايات وجمع النتف العابرة من الاحداث والاقوال لتقديمها كحقائق خافية، كما استعمالها مسؤولون عن الاخفاقات والفشل والكوارث لرفع اللوم عن النفس وإبراء الذمة عما حصل وإلقاء المسؤولية عن ذلك على متآمرين مفترضين، ثم اشاعة الهلع بين الناس لنزع ارادتهم باعتبار ان المؤامرة اكبر منهم، وهم صغار، لا حول لهم ولا قوة، سوى اللوذ بحُماتهم من هذه المؤامرة.
***********
ابو تمام:
لئيم الفعل من قوم ٍ كرامٍ …
له من بينهمْ أبداً عواء
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة