اقتصادنا النفطي وفوضى القانون ..من ملحق الاقتصاد الريعي.. مخاطر وآثار

 سلام مكي

لاشك ان ملف النفط والطاقة الذي يمثل الخيط الوحيد الرابط بين بغداد وأربيل ، يعاني من أزمة بنيوية منذ الكشف عن النسق الجديد للدولة العراقية بعد التغيير ولحد اليوم، هذه الازمة تتمثل بعدم وجود صيغة قانونية أو إطار يستند الطرفان إليه لحلها، على الرغم من الزعم بأن أي تصرف يقومان به لا يتجاوز الدستور. العلاقة التي كان يجب ان تكون اتحادية بين الإقليم والمركز، حسب الدستور، لا تعدو اليوم سوى علاقة مالية كما قلنا، حيث ان اللقاء اليتيم بين الاثنين في كل عام يتمثل بتسليم حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية البالغة 17% وهذه النسبة تم اعتمادها دون أسس قانونية ودستورية وإنما تمت بموجب اتفاقات وبروتوكولات بين الأطراف السياسية في الحكومة المؤقتة واستمرت بعد انتهاء دورتين انتخابيتين دون ان يتجرأ احد ويعدل النسبة زيادة او نقصان بحسب السياقات القانونية. أبرز إشكالية في هذا الملف تتمثل بإصرار الجانب الكردستاني على تصدير النفط من دون الرجوع الى بغداد وإبرام العقود مع الشركات الأجنبية على التنقيب والحفر في الحقول النفطية التابعة للإقليم وتطوير الموجود، بالإضافة الى مطالبتها بحصتها من الموازنة كاملة! بينما بغداد تصر على ان أي اتفاق مع الشركات الأجنبية يجب ان يكون معها حصرا وكذلك تصدير النفط الى الأسواق العالمية يجب ان يكون عبر الشركة الوطنية (سومو).

من يملك صلاحية توقيع العقود النفطية؟

ان العقود التي توقعها السلطة الاتحادية وسلطة الإقليم، تنصب على أمرين أساسيين: أما ان تطوير الحقول النفطية الحالية، أو التنقيب والبحث عن حقول جديدة، ولا بد من قانون ينظم هذا الجانب ويحدد السلطة المختصة بإبرام تلك العقود، ولما كان قانون النفط والغاز لا يزال مجرد مسودة، بسبب الخلافات والتقاطعات بين الكتل السياسية على إقراره، فإن اللجوء غالبا ما يتم الى نصوص الدستور الذي حدد صلاحيات كل من السلطة الاتحادية وسلطة الإقليم. وبالعودة الى المادة110 التي حددت صلاحيات واختصاصات السلطة الاتحادية، لا نجد ما يشير الى ان إبرام العقود المتعلقة بالنفط يتعلق بها حصرا. أما المادة 115 فقد بينت ان أي اختصاص لم يرد ذكره في المادة110 هو من اختصاص سلطة الإقليم. من هذه النصوص نستشف ان الدستور قد منح شرعية لأي تصرف تقوم به الأقاليم كونها قد استخدمت صلاحيات لم ينص الدستور على انها من الصلاحيات الحصرية للمركز. ولكن هذا الأمر سيؤدي الى جملة من المشاكل منها ان توزيع الثروة النفطية سيوزع على الشعب بصورة غير عادلة وسيخالف المادة111 التي جعلت من النفط والغاز ملك لجميع العراقيين وفي كل الأقاليم. وكذلك المادة106 التي نصت على تأسيس هيأة عامة لمراقبة تخصيص الايرادات والتحقق من عدالة توزيعها على المحافظات. والكثير الكثير من النصوص الدستورية سوف تخرق نتيجة لتطبيق هذا النص الدستوري، وحيث ان الدستور قد منح المحافظات المتضررة من سياسات النظام السابق أولوية وأفضلية في الإيرادات على المحافظات الأقل تضررا وبما ان محافظات الجنوب والوسط قد عانت سابقا وحاليا من سياسات الإهمال في توفير الخدمات والمنشاءات والمؤسسات، مقارنة بمحافظات إقليم كردستان التي تنعم ببنى تحتية ومؤسسات وتنعم بخدمات جيدة. فهي لا تحتاج الى ميزانيات استثمارية كبيرة بقدر حاجة المحافظات الأخرى.

من الحقول المشمولة

بالإدارة المشتركة؟

فرق الدستور في المادة112 بين نوعين من الحقول النفطية: 1. الحقول الحالية، أي التي تم حفرها قبل إقرار الدستور والحقول التي ستحفر بالمستقبل. فبالنسبة للصنف الأول، فقد جعل مسؤولية إخراجه وتوزيع وارداته بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني. أما بالنسبة للصنف الثاني فسكت عنه الدستور، وهو ما يعني ضمنا انه جعل من استخراجه وتوزيع وارداته من اختصاص الإقليم. حيث يمكن لإقليم كردستان وأي إقليم سيتشكل بالمستقبل ان يحفر حقولا جديدة ويقوم باستخراج النفط منها دون الرجوع الى المركز لان الدستور نفسه قد منه هذه الصلاحية. وبما ان سلطات الإقليم قد تعاقدت مؤخرا مع عدة شركات عالمية لاستخراج وحفر حقول جديدة، فمن حقها حسب الدستور ان تتصرف بالنفط المستخرج من تلك الحقول وفيما يخص الحقول الحالية او التي حفرت قبل إقرار الدستور فهي ملزمة بإشراك المركز بعملية استخراجه، وما عداها فهي له. وكذلك يمكن للمحافظات غير المنتظمة بأقاليم ان تحذو حذو الإقليم، وتقوم بالتعاقد مع شركات عالمية لغرض استخراج وحفر آبار وحقول جديدة والتصرف بنفطه دون الرجوع الى الحكومة الاتحادية ولا يحق لها ان تعترض على هذا التصرف لأنه موافق للدستور، ولو حصل وان اعترضت فهناك المحكمة الاتحادية، يمكنه رفع دعوى ضد الحكومة الاتحادية على اعتبار ان تصرفها مخالف للدستور وسوف تحكم المحكمة لو كانت تطبق الدستور فعلا ان تحكم لصالح الأقاليم ضد الحكومة.

كيف يتم احتساب الثروة النفطية؟

وضع الدستور طريقا لاحتساب الثروة أو الإيرادات التي يشكل النفط المصدر الوحيد لها، على أساس النسب السكانية، فكل محافظة تكون حصتها على أساس نسبة عدد سكانها والمعايير الأخرى المتمثلة بنسبة التضرر من النظام السابق. كذلك المعيار الجديد الذي أدرجته الحكومة ضمن قانون الموازنة وهو البتر ودولار الذي تم بموجبه منح دولار واحد عن كل برميل مستخرج لصالح المحافظات المنتجة. وما لاحظناه في مرحلة إقرار مجلس الوزراء لموازنة 2014 من اعتراض جماهير المحافظات المنتجة وخصوصا في البصرة على هذا المشروع، مطالبين بزيادة نسبة مبالغة، وفعلا استجابت الحكومة الى طلبهم وجعلت مبلغ 5 دولار بدلا من دولار واحد. بالنسبة لمعيار السكان فقد رسم الدستور طريقا وهو ان تقوم الحكومة بإجراء التعداد العام للسكان الذي بدوره سيحدد عدد سكان كل محافظة وبالتالي فسوف تنال كل محافظة نسبة محددة بموجب الأسس القانونية وليست العرفية كما هو الحال بنسبة ال17% المخصصة لإقليم كردستان.

ذروة المشكلة 

نتيجة لعدم جود قانون للنفط و الغاز والتفسيرات المتعددة للدستور، جعلت العلاقة بين المركز والإقليم تصل الى هذا المستوى من التوتر، لدرجة وصلت الى تهديد الإقليم بالانفصال عن العراق، وتصرفه بنفطه بمعزل عن الحكومة الاتحادية، وقد نفذ الإقليم بعض تهديداته مؤخرا، عندما قام بشحن أول دفعة من نفطه عن طريق تركيا لغرض بيعها في الأسواق العالمية، وهو ما أثار حفيظة بغداد وجعلها تتوعد المشترين لتلك الشحنة بالملاحقات القانونية وفرض عقوبات عليها خصوصا تلك التي لديها عقود مع بغداد، وبالفعل نجحت ولأول مرة التهديدات، بحيث ان الناقلة المحملة بالنفط لم تجد مشتريا لها. علاوة على ذلك هددت بغداد الإقليم برفع دعوى قضائية ضدها في المحكمة الاتحادية نتيجة لبيعها النفط دون موافقة بغداد وكذلك تهديدها بالشكوى أمام المحكمة الدولية. ولو جئنا لقراءة وتحليل هذه التهديدات لوجدنا ان التهديد برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية لأن المادة34 الفصل الثاني من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية نصت على ان للدول وحدها الحق بأن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة. وبالتالي فلا يمكن ان تكون دولة طرفا في نزاع وخصمها هو إقليم تابع لها. أما تهديدها بالذهاب الى المحكمة الاتحادية، فان المحكمة الاتحادية لا تملك صلاحية الفصل في هذا النزاع لأنها مختصة بالفصل في القضايا التي تنشأ جراء تطبيق القوانين الاتحادية، وحيث لا وجود لقانون اتحادي تم خرقه وإنما هناك نصوص دستورية تم الركون إليها في القيام بهذا التصرف وهو ما صلاحية للمحكمة لأن نصوص الدستور يقتصر على تفسيرها فقط. فللحكومة فقط ان تطلب تفسير النصوص التي تستند إليها حكومة الإقليم وبيان مدى مطابقة تفسير المحكمة لتصرف الإقليم. ان على سلطات الإقليم ان تبين ان شحنة النفط التي تم عرضها على الأسواق العالمية، هل هي مستخرجة من الحقول الحالية ام من الحقول التي تم حفرها بعد إقرار الدستور؟ فلو كانت ضمن الحقول التي صنفها الدستور بالحقول الحالية فلا يحق له تصديرها ولا التصرف بها كون ان إدارتها تتم بصورة مشتركة بينها وبين المركز، أما لو كانت مستخرجة من الحقول الجديدة التي تم حفرها مؤخرا بعد نفاذ الدستور فله الحق بالتصرف بها على اعتبار ان الدستور سكت عنها وهو ما يعني الموافقة ضمنيا على إعطائه صلاحية التصرف به.

الحلول الممكنة 

لكي يتم تجاوز كل المشكلات الحالية بين بغداد وأربيل، يجب أولا إقرار قانون النفط والغاز ووضع صيغة متفق عليها لإدارة الحقول النفطية وإجراء تعداد للسكان لغرض احتساب النسبة الخاصة بكل محافظة من الموازنة. وان ترفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية يطلب فيها تفسير المادة112 من الدستور واطلاع المسؤولين عليها لأن يبدو ان أغلب المسؤولين عن ملف الطاقة والنفط لا يعلمون فحوى هذه المادة، على الرغم من ان أكثرهم ساهموا بشكل كبير في كتابة كل حرف من الدستور وقاموا بالتعبئة الجماهيرية دعما له بالتصويت عليه بنعم. فالمشكلة إذا: هي بالدستور الذي جاء بمفردات قابلة للتأويل والتفسير. ولما كانت مسألة تعديله تعتبر شبه مستحيلة فيمكن ان يسن قانون النفط والغاز الذي يمكن بموجبه ان يضع الآليات والصيغ الكفيلة بانهاء مشكلة النفط. ولكن التقاطعات والاختلافات بين الكتل السياسية عدم اتفاقها على وضع خطة محددة لإنهاء ملف النفط سوف يساعد على استمرار الأزمة مدة أكثر ولا سبيل لإنهائها في الوقت الحاضر.

*كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة