أربيل وعروس الثوار

جمال جصاني

في مؤتمر صحفي لما يعرف بـ (ثوار العشائر العراقية) من عاصمة اقليم كردستان (اربيل) أطلق ضيوف السيد رئيس الاقليم العنان لرغباتهم المكبوتة في اسقاط النظام السياسي الحالي، والذي يستعد برلمان الاقليم لترشيح ممثل لهم كرئيس لجمهوريته المستهدفة من ثوار كردستان الجدد..! والعجيب ان لا نرى ولا نسمع من تلك التضاريس الصعبة والتي كانت جبالها دائماً ملاذاً للاحرار والثوار، من تستفزه مثل هذه الخطابات والبيانات الوقحة ضد التجربة السياسية الفتية، والتي يتحمل وزر عيوبها واخفاقاتها الجميع من دون استثناء وخاصة حيتان المحاصصة الطائفية والعرقية المعروفين جيداً عند ايتام هذا الوطن المنكوب بشراهتهم المتعاظمة. ان طريق الصفقات في الغرف المعتمة وتحت اشراف الاجهزة السرية لدول الجوار وما بعدها، يعرف نتائجه الوخيمة شعب كردستان، وهذا ما تضمنته بواكير الشعارات السياسية لحركة التحرر الوطني والديمقراطي في العراق (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) قبل ولادة الجمهورية الاولى، التي استقبلت واحتفت بالملا مصطفى البرزاني (والد السيد رئيس اقليم كردستان الحالي مسعود البرزاني) بعد سنوات النفي في الاتحاد السوفيتي السابق.

ان الامعان في طرق السبل ذاتها، المسؤولة عن كل هذا الدمار الذي عشناه جميعاً عرباً وكرداً واقليات قومية ودينية واثنية، ومن دون الالتفات الى الفواتير القاسية المترتبة على ذلك، يعني ان هذه الزعامات عاجزة عن ترك هوايتها القاتلة في المقامرة بمصير هذه الاوطان المنكوبة، لحساب مصالحها الفئوية الضيقة. اننا نعرف جيداً واقع الاحزاب والمنظمات السياسية الحالية في كردستان والعراق، فحالهم جميعاً لا يختلف كثيراً، حيث الديمقراطية في حياتها الداخلية نادرة ويعجز ادق المكرسكوبات الالكترونية عن رصد شيئاً من بقاياها. وفي مثل هذا الحال، تمرر القرارات والسياسات القاتلة، من دون ان تجد من يتصدى لها، خاصة في مثل هذه المناخات من التحريض والتجييش والتعبئة الشعبوية والآيديولوجية المأزومة. مع مثل هذه اللافتات والمزاج المهيمن اليوم على المشهد الراهن، يمكن ان ننحدر الى هاوية لا نجد في قعرها لا عراق ديمقراطي ولا دولة لكردستان المستقلة، كما حصل لحظة اغتيال الجمهورية الاولى، لان القضية تبقى رغم المتاهة الحالية؛ قضية صراع بين معسكر الحرية والديمقراطية والايثار من جهة، بغض النظر عن نوع الرطانة والازياء، ومعسكر القهر والشراهة والتخلف والاستبداد. ومن المؤلم ان تندفع أربيل في هذا الطريق وتحت حجج وذرائع لا تصمد أمام أبسط الحقائق المدونة في تاريخنا الحديث، صحيح ان حكام بغداد لم يقصروا في خطاباتهم وسياساتهم البعيدة عن الحكمة والمسؤولية، لكن ان يصل الامر لان تتحول اربيل لمنصة يعلن فيها عن قرب ولادة عروس الثوار، فذلك أمر لا يمكن تجرعه في وطن كاوه الحداد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة