خرافة الديموقراطية في إقليم كردستان

كه يلان مُحمَد
كاتب عراقي
يبدو أنْ ماوقع قبل سبع سنوات في البلدان العربية لاسيما في تونس ومصر سيتكرر في إقليم كردستان،وماقال به المفكر السياسي محمد حسنين هيكل عن إنتهاء السياسة وإستنفاد كل المحاولات لإنعاش الشرايين المُتصلبة لمفهوم السياسة في البلدان العربية يسري على سلطة الإقليم أيضاً خصوصاً بعد إخفاق مشروع الإستقلال وما أعقبه من تعميق الأزمة بين الاقليم والحكومة الإتحادية من جانب وإغلاق الدول المجاورة لمنافذها الحدودية بوجه حكومة أربيل من جانب آخر، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإقتصادية حيث ساء المستوى المعيشي للمواطن ودخلت حركة السوق في حالة الركود تماماً وتدنى دخل الموظفين المنتسبين للحكومة المحلية خصوصا بعد فرض النظام الإدخاري القسري على رواتبهم،وما زاد الأمر أكثر تعقيداً هو عدم إستجابة السلطات للمطالب الحياتية المُلحة للمواطنين،وغياب أي مبادرة تهدف إلى تخفيف وطأة الظروف المزرية على كاهل شرائح إجتماعية لايملك أفرادها مصدراً للمعيشة غير رواتبهم التي صارت ربُعَ ماكانوا يأخذونه قبل 2014، كما أن الخدمات في جميع القطاعات شبه معدومة ،الأمر الذي يتركُ تداعيات خطيرة على كل مفاصل الحياة،والأنكي في هذا المشهد المأساوي هو تجاهل الحُكومة لحجم مشكلات المواطن والهرب من المسؤولية من خلال محاولاتها لصرف نظر المُحتجين والمُتظاهرين نحو الأعداء الموهومين،ومن نافل القول بأنَّ حكومة الإقليم قد فشلت على المستوى الدبلوماسي بشقيه الدولي والإقليمي نتيجةَ المضي قُدماً وراء إجراء الإستفتاء على الإنفصال من العراق ما أسفر عن قطع شعرة معاوية مع بغداد كما إستهلك هذا القرار المتهور إرادة المواطن وافرغ مشروع الإستقلال من كل الإعتبار والقيمة،أضف إلى ذلك فإن السياسة الإستعلائية على المستوى الداخلي وهيمنة الحزب الواحد على القطاع الإقتصادي وتكميم أفواه المعارضين لهذا النهج الإنفرادي والإستهانة بالسلطة التشريعية قد وضعت تجربة الإقليم على المَحَك، فالبتالي سقطت ورقة الديموقراطية التي غطت العقلية التوتاليتارية لعقود طويلة، وما يمرُ به إقليمُ كردستان من خروج التظاهرات في عدة مدن وبلدات وبدء الإضراب العام في السلك التعليمي مؤشرُ إلى فشل الصيغة السياسية الراهنة وما يرجح هذا الرأي أكثر هو الإفراط في استعمال القوة ضد المُتظاهرين، إذ سقط خمسة قتلى في بلدة (رانيه) عدا عن جرح اكثر من ثمانين شخصاً،ومُصادرة حرية الإعلام والرأي، وتحولت بعض المدن إلى ثكنات عكسرية، ومايُنسفُ ثقة المواطن بالسلطة هو ماورد في البيان الصادر من الحزبين المتنفذين حيث وصف كل واحد منهما على حدة المُحتجين بالمشاغبين الذين يُنفذون أجندات خارجية ومن الواضح بأنَّ هذا الأسلوب هو ديدن المستبدين الذين يرفضون الإعتراف بالأخطاء ويُحملون غيرهم مسؤولية تراكم الأزمات،وما يتبعونه من سياسة معالجة الأزمة بصناعة أزمة أخرى،إلى أن يُصبح المواطن مسحوقاً في دوامة الأزمات الطاحنة، لكن هذا لايجدي لأمد طويل كما أنَّ سياسة الإستغفال والتعمية لاتنطلي على الجيل الواعد الذي لم يعدْ يستسيغ تلك الشعارات التي لاتسمن ولاتغني من الجوع وهي دون مستوى رؤيته وتفكيره وتطلعاته للمستقبل،لذا فإنَّ قميص السلطة وشركائها من الأحزاب السياسية لايتسعُ لمُتطلبات المرحلة ومن المتوقع بأن السلطة التي تصلُ إلى هذا المستوى من الترهل السياسي أن تكون أيامها معدودة بعد أن تتهاوى كل المقومات التي تستمدُ منها الشرعية،وتخسر ثقة مواطنيها، كما أن المساعي الدؤوبة لرسكلة بعض الوجوه لن تكون بديلاً لضرورة التحول الجذري في هيكلية النظام السياسي وتركيبة الأنظمة الإدارية في الإقليم ومن يتوهم وجود الحلول في إجراءات شكلية فهو كمن ينفخ في قربة مثقوبة أو يريد إحياء جثة ميتة بضخ الدماء فيها،ومايزيد قناعة المراقبين بحتمية التغيير هو التماهي القائم بين الحزب والحكومة في الإقليم، ومايتبع ذلك من ظواهر مُناقضة مع الحوكمة والحكم الرشيد، وتعثر عملية الإصلاح الإداري لأنَّ الحكومة لاتُمثل إرادة المواطن بقدر ما تُطبق أجندة حزبية بل قد تسبق مصالح عائلية وهي أضيق من الحزب على مصلحة المواطن والمُتحزبين أيضاً، مايعني سيادة السلطة الأوليغاريشية وهي أسوأ أنواع السلطة على مر التاريخ.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة