حسين السلطاني!

يرتبط استذكار الراحلين عادة، إما بذكرى سنوية تمرّ على رحيلهم او حدث مشابه يوفر مبررا للاستذكار، الامر مع الراحل ( حسين السلطاني ) أظنه يختلف تماما بمعنى ان الابداع الحقيقي وحده يستحق ان ينهض مبررا كما ان عدم الايفاء باستحقاقات هذا الابداع يوفر مطالبات أبعد من الاستذكار الاعلامي او الترحم بطريقتنا الاجتماعية المعروفة ، لا أغالي اذا قلت : ان الراحل السلطاني كان ظاهرة ثقافية و شعرية تحفل بالكثير و ان ما كتبه و تركه لنا ليس الا جزءا مما كان يختزنه لكن المنية عاجلته فأخذت منا ما اخذت ، في شعر و قصائد ( حسين ) إحالات رائعة للمعرفة و الفكر و بالتالي فهو واحد من القلة الذين يكتبون ( القصيدة المفكرة ) ناهيك عن التماعاته الثقافية التي تتعدى حدود كتابة الشعر كما للراحل حياة مكتنزة بالرفض و الاحتجاج. لم يكن الحديث مع ( حسين ) يوم كان حيا بالأمر السهل ! رجل حزين و نافر ، مكتظ ، غير راض عن شيء ، احلامه اكبر من واقعه بكثير ، لا يهادن بأبسط الامور فيطالبك بموقف فوري من الاشياء و يهاجمك اذا سكتت لأنك خذلت الحقيقة التي يستصرخك من اجلها. كم كان صادقا مع نفسه حدّ التعب ، يموت يوميا لأنه يحب الحياة بطريقة افضل ولا يريد لها ان تموت ! أتذكره كيف كان موجوعا بأسئلة لا تهدأ ، اتذكر طريقه بين بغداد و الاسكندرية ، نظراته الحادة لكل ما حوله ، حبه الصادق للأشياء التي يحبها فعلا و رفضه القاطع لما لا يحب .. عقد صداقة مع الموت قبل ان يموت و خاصم الزيف و الاقنعة ، كان عنيدا حدّ اللاحد ..
كيف يموت ( حسين السلطاني ) ؟ سؤال غير ذي اهمية في حسابات الاقدار ولا يطرأ على بال من لا يعرفه ، ماذا علينا ان نفعله الان ونحن في معرض استذكاره ؟ هل يكفي ان ندعو لإعادة طباعة كتبه و مجاميعه الشعرية ؟ نعم لابد ان يعاد طبعها لأننا نحتاجها ولأنه واحد من الشعراء القلائل الذي يعرفون كيف تكتب قصيدة النثر ، هذا النوع من الكتابة الشعرية الذي يعاني وفرة فيمن يدعونه و شحة واضحة فيمن يجيدونه حقا، أفسده كمّ الادعاء دون جدوى ..السلطاني لم يكن شاعرا فحسب بل هو عاش الشعر مثلما كتبه ! فهو من القلائل الذين اختصروا المسافة بين العارف و المعرفة ، بين الشعر و الموقف الشعري ، كانت اصابعه ترتعش بفعل الشعر و كأنها تعلم انها سترتعش يوما بفعل صعقة الكهرباء التي أماتته ! مات نديا مثل فجر و جادّا مثل صرخة ..يظل السلطاني على قيد الذكرى و الاهتمام ما دمنا مخلصين للشعر و الحقيقة.
جمال جاسم أمين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة