سيرة ميت…

محمد الكريم

يا الله، ما هذا الخمول الذي يجتاح جسدي؟
أيعقلُ انني فارقت الحياة على عجل؟ اين ملكا الموت؟
ربما لم ادفن بعد!، ربما لا أحد يعرف بموتي فالجنود في ثكناتهم، لكن اين انا، كيف وصلت الى هذا الموت، او كيف مت؟
السكون والصمت يحيطان بي، يدق منبه تلفوني ولا استطيع اسكاته، وبدأ البرد يجتاحني، اسمع صوتا ناعما يندهني، حان وقت الذهاب الى العمل، لا بد من النهوض، لكن سلاسل تكبلني ولا استطيع ان احرك اضفرا من أظافر قدمي، صوت الجلبة بدأ يتصاعد، صراخ وعويل صراخ يهزني ولا اتحرك.. يا رباه لم هذا الاختبار؟، اين ملكا الموت، طال الوقت وانا على حالي… بعد ساعة تقريبا امتلا البيت بالرجال والنساء مشاهد تتماوج حولي اراها ولا استطيع فعل شيء، الان سمعت كلمة ميت من رجل وقور اعرف صوته دون ان اميز شكله.
رفعت من الفراش، وضعوني في صندوق خشبي وغطوني ببطانية بدأ الخوف يزحف الى قلبي واشعر بالضيق يحيطني والبرد يزداد، جثتي قطعة ثلج لا تذوب.. الان انا ميت بشكل رسمي، على الرغم من كم العراقيل والروتين التي صادفتني اثناء تسجيلي في قوائم الموتى. وحذفي من قوائم الاحياء.
غسّلوني وكفنوني وشيعوني واعادوني الى البيت ثانية، لاخذ جرعة بكاء حقيقية، تسورني النسوة المتشحات بالسواد يلطمن صدورهن ووجوههن، يصرخن ويشلحن خمارهن، يحاولن اخراجي من التابوت لكن لا جدوى…
الان، انا محمول على الاكتاف، اسمع كل اللغط الذي يدور والخلافات الجانبية وتكاليف مجلس الفاتحة ومن يمسك دفتر الوارد والمصروف وو ولا احد يعير اهتماما لي.. بضع دقائق ويوصد باب القبر، وانسى الى الابد….
**
بدأ الدفء يحيطني بعد بضع دقائق من غلق بوابة القبر.. حفظت التلقين جيدا ورددته قبل أن يغادرني المشيّعون.. تلفتت عيناي يمينا ويسارا اعلى واسفل كنت اترقب الدود الذي يقيم هذه الليلة وليمة فاخرة على شرف جثتي، اصوات غريبة حطمت جمجمتي، الموتى الجنود الذين قدموا ارواحهم قربانا للارض، غايتهم المجد، الاقرباء المبتهجون لقدومي ضيفا عليهم، يسألونني عن ذويهم، وهم يرمون حسرات فراقهم الحياة قبل اوانهم، لكن ما ان شرحت لهم تبدّل الحال ابتعدوا متمتمين..
مرت ليلة في هذا الظلام، لا شيء أفكر به سوى من أين ينبشني الدود؟ واين هو متخبئ؟ هل لا زالت جثتي كاملة ام قضمها الدود؟ ما هذه التهاويم، هل حل صباح جديد؟ هل يتحرك الزمن أم أنه توقف؟ أجابَ الموتى بصوت مرتفع: «يتوقف حال اغماض عينيك، لا ليل ولا نهار، أعمالك هي تحدد أنك في ظلام أم ضياء؟».
الدود أكلني كلي تاركا أنفي سالما ظننت بأني تكورت داخل انفي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة