الاستنزاف المفتوح لأميركا اللاتينية

 ريكاردو هاوسمان*

ان القصص تكون اكثر تصديقاً عندما تعيد التأكيد على معتقداتنا وافتراضاتنا السابقة وان لم تكن كذلك عادة ما نجدها غير قابلة للتصديق .

من الامثلة على ذلك هو كتاب ادواردو جاليانو الذي حظي بالكثير من الاعجاب سنة 1971 «الأوردة المفتوحه لاميريكا اللاتينية « والذي بيع منه اكثر من مليون نسخة في 12 لغة حيث عكس هذا الكتاب نظرة جيل من الناس للتاريخ المعذب لهذه المنطقة ولقد اعطى الراحل هيوجو تشافيز الرئيس الاميريكي باراك اوباما نسخة من الكتاب عندما التقوا سنة 2009 في ترينيداد.

لقد حظي الكتاب بالثناء بسبب قدرته على وصف خمسة قرون من تاريخ اميريكا اللاتينية بتماسك كبير وهو شيء يمكن لكتب الخيال فقط ان تحققه ولسوء الحظ فإن التاريخ هو اكثر تعقيداً من ذلك وقبل اسابيع ادهش جاليانو الكثيرين عندما نأى بنفسه عن كتابه وقال انه لم يعد يستطيع تحمل قراءته وقال انه عندما كتبه كان «يفتقد لمعرفة كافية عن الاقتصاد والسياسة «.

لماذا حظي الكتاب بهذا الاستقبال الجيد ولماذا غير الكاتب رأيه بشأنه؟

ان كتاب جاليانو يفسر تاريخ امريكا اللاتنية كأحد عواقب النهب الاجنبي وعلى مر القرون قام الاشخاص السيئون بتغيير جنسيتهم – لنقل من الاسبانية الى الاميريكيه- ولكن نواياهم ما تزال هي نفسها فالمشكلات الحالية هي نتيجة للاعمال الشريره التي ترتكبها القوى الاجنبية والتي أتت فقط من اجل الاستغلال والفقراء فقراء لأنهم ضحايا الاقوياء.

حتى اكثر الخرافات تشويهاً فيها شيء من الحقيقة فعلى مر التاريخ البشري عادة ما وجدنا ان اولئك الذين يمتلكون تقنية افضل يميلون الى تشريد او حتى القضاء على جيرانهم ولهذا السبب عاش الويلزيون والأقزام في اماكن نائيه ولماذا نجد ان الانجليزية والاسبانية والبرتغالية هي اللغات السائدة في الاميريكيتين وفي واقع الامر تشير الادلة العلمية الحديثه الى ان ثورة العصر الحجري الحديث- الانتقال من الصيد والتجميع الى الزراعة- انتشرت فقط بسبب ان المزارعين قاموا بتشريد الصيادين وليس لأن الصيادين تعلموا منهم .

لكن بينما يمكن للتفوق التقني والمواجهه ان تقضي على الجانب الاضعف فإن نشر التقنية بين الثقافات يمكن ان يؤدي الى المنفعه المتبادلة حيث انه يسمح للجميع بعمل اشياء اكثر مستعملين اشياء اقل مما يعني امكانية الحصول على فائض يمكن توزيعه.

وكما هو الحال في اية علاقة من هذا القبيل فإن جميع الاطراف تريد حصة الاسد من المكتسبات ولكن البعض يحصل على الجانب الاسوأ من الصفقة ولكن من دون العلاقة لن تكون هناك صفقة فالتحدي الاكبر للشخص الوطني هو ان يحصل على اكبر حصة من الكعكه وليس حصة كبيرة من كعكة صغيرة.

ان اولئك الذين الهمهم كتاب الاورودة المفتوحة مثل تشافيز (وفيديل كاسترو من قبله) عادة ما يصنعون كعكات صغيرة للغاية فعلى سبيل المثال كانت نية تشافيز تتجه الى مضاعفة انتاج فنزويلا من النفط الى ستة ملايين برميل باليوم بحلول سنة 2012 وهو هدف يمكن تحقيقه اذا اخذنا بالاعتبار ان البلد يحتوي على اضخم الاحتياطات النفطية بالعالم لكن ميله لمصادرة الملكية وفصل المعارضين المؤهلين عن العمل تسبب في انخفاض هذا الانتاج بنحو الخمس وبينما تبقى فنزويلا تعاني من متاعب اقتصاديه فإن حلفاءها – الصين وروسيا والبرازيل والاوبيك – تمكنوا من رفع انتاجهم بمقدار 14 مليون برميل يوميا .

لكن ان نعرض قصة اميريكا اللاتينيه كأحد قصص النهب الاجنبي ينطوي على تجاهل للفوائد التي كسبتها المنطقة من الجهود الاجنبية وخاصة في فنزويلا وعليه اليكم الان القصة البديلة .

في يوم من الايام في بلاد ما بين النهرين القديمة كان النفط موجوداً حيث كان يتم الترويج له من قبل بعض الدجالين بسبب قدراته الدوائيه وفي نحو سنة 1870 كان جون د روكفيلر في مقدمة من قاموا بتطوير صناعة النفط الحديثه وذلك من اجل انتاج الكيروسين لغايات الانارة وفي مرحلة لاحقة وبينما كان في مواجهة شرسه مع توماس اديسون والذي كان يهدد اعمال روكفلير التجارية بالمصباح الكهربائي قادت تطورات تقنية ليست ذات علاقة الى الاحتراق الداخلي الذي يعمل على البنزين وفكرة وضع ذلك على العجلات وسرعان ما جعل ذلك النفط مصدر الطاقة المفضل للنقل وليس الانارة وحتى لتوليد الكهرباء.

لكن من اجل تطوير صناعة النفط فإن المزيد من التقدم التكنولوجي كان يجب ان يحصل . اولا ، يجب ايجاد النفط وبعد ذلك يجب استخراجه وتكريره ليصبح منتجات اكثر فائدة ونقلها بتكلفة رخيصة وكل هذا تطلب عدداً كبيراً من الاختراقات في الجيولوجيا وعلم المعادن وعلم المواد والهندسه الكيماوية والسيارات والطرق والمدن والاحكام وغيرها من المجالات.

لقد كانت هذه الثورة التقنية الاستثنائية التي جعلت النفط ثمينا وبينما كان ذلك يحدث فإن العديد من الدول الكبيرة المنتجة للنفط –بما في ذلك فنزويلا والسعودية وايران ونيجيريا-كانت في عداد المفقودين فعلى العموم لم تعلم تلك الدول ان لديها النفط او مكان وجوده ولم تكن تعرف كيف يتم استخراجه ولم تكن تعرف عن الخطوط الزلزاليه أو الحفر أو خطوط الانابيب أو المصافي أو الصهاريج وما هو اهم من ذلك بكثير ان تلك الدول لم تعمل الكثير من اجل بناء النظام البيئي المعقد والذي يجعل النفط قيماً .

لكن لديهم الحق بتقييد القدرة على الوصول الى مواردهم الموجوده تحت الارض من اجل تحصيل الايجارات وذلك كما عمل ملاك الاراضي الزراعية المحتقرين لقرون من الزمان .ان من الممكن ان يصبحوا من اصحاب المداخيل وان يعيشوا من عمل وبراعة الاخرين . ان من الوقاحة ان يقوم كتاب الاورده المفتوحة وتشافيز بوصف وضعهم على اساس انهم الضحية وليسوا اصحاب الحظ السعيد.

ان بالامكان ان نروي قصص مماثلة عن صناعات اخرى وحتى تلك التي لا تتطلب موارد طبيعية ولكنها تعتمد عوضا عن ذلك على سلاسل القيمة العالمية ففي البلدان النامية يتطلب التقدم الاقتصادي استيعاب وتطويع التقنية الموجودة في اماكن اخرى مما يجعل من الضروري التواصل مع اولئك الذين يمتلكون تلك التقنية . ان تصنيف ذلك التواصل والتفاعل كاستغلال خالص بدلا من كونه من الفرص لخلق القيمة فإن عقلية كتاب الاوردة المفتوحة هي التي تعد بمنزلة استنزاف حقيقي لامكانات العديدين في ايريكا اللاتينية وغيرها من الاماكن .

*وزير سابق للتخطيط في فنزويلا وخبير اقتصادي سابق في بنك انتر اميريكا للتنمية وهو يعمل حالياً كاستاذ في الاقتصاد في جامعة هارفارد حيث يعمل فيها ايضا كمدير لمركز التنمية الدولية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة