للحرب ساحات اُخر

 سلام مكي* 

لعل احتلال الموصل من قبل الارهابيين، يمثل ابرز التحديات التي تواجهها الدولة العراقية منذ تأسيسها ولحد اليوم، لذلك، يتوجب على الدولة ممثلة بالحكومة ان تدرك جيداً ان خسارتها للمعركة تعني انها ستفقد احد عناصر وجودها وهو الاقليم، فوحدة العراق مستهدفة بالدرجة الاولى، وعلى الحكومة ايضا ان تأخذ بنظر الاعتبار امكانيات العدو وقدراته التي مكنته من احتلال واحدة من اكبر مدن البلد بسهولة ويسر، حيث ان الطريقة التي تم بها احتلال الموصل تنم عن قدرات عسكرية ولوجستية واستخباراتية كبيرة،

ليس بمقدور تنظيم وحده ان يقوم بكل هذا لولا وجود جهات اقليمية ودولية تدعمه وتوفر له اسباب التفوق. وعلى الحكومة ايضا ان تعرف ان احتلال الموصل لم يكن بالطريق العسكري فقط، وانما هناك جبهات عدة تحارب العراق وموجهة فوهات بنادقها واقلام مأجوريها واعلامها وصحفها، كلها تشكل جيشاً قد يكون اشد وطأة من الحرب الميدانية. 

فعلى الحكومة الا تعتمد بحربها على الارهاب على الطائرات والجنود والمتطوعين فقط وانما عليها ان تواجه العدو في ساحات الحرب الاخرى، عليها ان تشكل هي ايضاً جيشا لا يقل قوة وبأساً عن جيش العدو، وهذا برأيي يحتاج الى مهنيين ومتمرسين من جميع الاختصاصات يمكنهم تحديد المهمات الخاصة بتلك الجيوش. فمثلا العدو او الارهاب، يملك مؤسسات اعلامية ضخمة تدعمه وتواكب اخباره وتبث وتروج الشائعات التي تنال من عزيمة العراقيين، وتنقل اخبارا كاذبة عن تقدم للمسلحين وتراجع للجيش وتستضيف شخصيات تمثل الواجهة الاعلامية للإرهاب وتطلق على الارهابيين صفة الثوار وغيرها الكثير مما يقوم به الاعلام المضاد والمعادي للدولة العراقية وشعبها. هنا على الحكومة التي تدير الحرب ان تكون على قدر المسؤولية وتتصدى للجيش الاعلامي من خلال جعل القنوات الوطنية والممولة من المال العام ان تكون برامجها وتغطيتها بمستوى الحدث وان تراقب ما تبثه الفضائيات الاخرى من اكاذيب وافتراءات وبرامج لترد عليها وتواجهها اعلامياً وتعري خطابها وتكشف للمشاهد العراقي والعربي زيف ادعاءاتها، وعليها هنا اولا ان تكسب ثقة المشاهد عبر مصداقيتها في نقل الحدث كما هو، فلا تلجأ الى الكذب ولا لتضليل الرأي العام، 

فهنا سوف لا تختلف عن القنوات الاخرى. للأسف ما لاحظناه مؤخراً طريقة ادارة الحكومة للحرب الاعلامية، ينم عن فهم خاطئ وربما جهل، حيث عمدت الحكومة الى الطلب من دول اخرى غلق قنوات معينة بحجة انها تدعم الارهاب مما اثار سخط الكثيرين عليها، في وقت يمكنها ان تسقط تلك القنوات اعلامياً عبر اقناع المشاهد بعدم مصداقيتها وحياديتها وبالتالي، فان تلك القنوات لن تجد في يوم من الايام من يتابعها او يصدق اخبارها، فهي وكما تدعي الحكومة تدعم الارهاب والشعب كله ضد الارهاب، فكان على الحكومة ان تقنع الشعب بهذه الحقيقة وتدعوه لمقاطعتها، لقاء توفيرها قنوات محايدة الا انحيازها للوطن وحده. وحين يطالع المشاهد القنوات الحكومية او التي تدعم الجيش ضد الارهاب، 

نجدها تتشابه كلها في الخطاب، حيث تغلب عليها الاغاني الحماسية التي اغلب كلماتها بعيدة عن الواقع وتصف العراقي بصفات خارقة ومستحيلة، وتصوره على انه لا يعرف من الحياة شيئا سوى الحرب والقتل ويعشق الموت أكثر من عشقه للحياة، أما العدو فهو لا يتعدى كونه حيواناً لا أكثر. 

أما بالنسبة للساحة الأخرى، فهي الساحة الخارجية، التي تبدو اكثر صعوبة من ساحة الحرب الداخلية بالنسبة للعراق، إذ يجب على العراق امتلاك دبلوماسية بحجم التحديات التي يواجهها العراق على الصعيد الخارجي، تقوم بإقناع الدول بأحقية العراق في حربه مع الارهاب وبضرورة دعمه بكل وسائل الدعم العسكري او الدبلوماسي، ولا بد ان تعامل الخارجية العراقية نظيراتها في الدول الداعمة للإرهاب بالمثل، فمثلا، كان على الخارجية سحب سفيرها من السعودية بعد تصريحات الحكومة السعودية بأن من تقاتلهم الحكومة هم ثوار، وان الحق معهم في حربهم ضد الحكومة، ثم تدخلها السافر بالشأن العراقي، عبر تسويق نفسها على انها وصية على مكون من مكونات الشعب، وحامية له من بطش المكون الاخر حسب زعمهم. لكن للأسف، لم يحصل هذا الإجراء، ولم نسمع سوى تصريحات خجولة تطلقها الخارجية العراقية حول ضرورة ان تصدر السعودية فتاوى تحرم الاعمال التي تمارسها الجماعات الارهابية، وهذا ما لم يحصل أبدا، لأن السعودية وغيرها هي من تمول وتدعم هذه الاعمال، فكيف تحرمها؟ كلنا نتذكر التوتر الذي حدث مؤخراً في العلاقات الخليجية فيما بينها، وكيف ان الدول تبادلت سحب السفراء، لأن احداها قد صرحت بما يسيء اليها، أما نحن، فيتم الطعن بسيادتنا كدولة ولا يسحب سفيرنا. مع العلم ان السعودية لم تبادلنا الخطوة نفسها أي انها لا تملك سفيرا في بغداد، لكنها اكتفت قبل عدة اعوام بوعد اعطته للسيد وزير خارجيتنا بأنها ستوفد سفيرا لها غير مقيم ولكنها لم تف بوعدها الى اليوم.

أما الأردن، فهي الدولة الحاضنة للقيادات البعثية والارهابية وفي كل يوم تخرج تظاهرات تندد بالدولة والشعب العراقي ومن اراضيها تنطلق الفضائيات التي تحرض على العنف والقتل وفيها صحفيون مجندون من قبل جهات معروفة للنيل من وحدة العراق وشعبه وبرغم ذلك، 

لم نسمع ان خارجيتنا او حكومتنا قد احتجت او سلمت نظيرتها الاردنية مذكرة احتاج او ضغطت عليها لأجل الكف عن تلك الممارسات التي لا تقل وحشية عن التفجيرات واعمال القتل التي تشهدها المدن العراقية يومياً. مع العلم ان الحكومة العراقية تبيع ومنذ عدة سنوات النفط الى الاردن بأسعار تفضيلية وتمنحها امتيازات ومساعدات مالية سنوياً من دون ان تطالب بمقابل! اذا: علينا لكي نفوز في معركتنا ضد الارهاب ان نسلح جيوشنا وندربها في كل الساحات وليس في ساحة الحرب فقط، فهناك ساحات اخر ، لا تقل أهمية عن جبهة القتال.

*كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة