يان إجلاند
ديفيد ميليباند*
بعد أكثر من الف يوم من الموت والبؤس، يُظهِر بيانان عامان مهمان صادران مؤخراً لماذا ينبغي للسياسة المعمول بها في التعامل مع سوريا أن تدخل مرحلة جديدة من الشِدة والتركيز. في الشهر الماضي، تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما في إطار عرضه لموقفه الأوسع في السياسة الخارجية عن شرور سوريا الثلاثة ــ التكتيكات العسكرية الوحشية والتهديد الإرهابي من جانب المعارضة والاحتياج إلى دعم اللاجئين. وقبل ذلك بأسبوع، أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تقريراً يحمل تفاصيل مؤلمة عن الأزمة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك المواطنين الواقعين في مرمى النيران من جميع الجهات، والهجمات المتواصلة من قبل القوات الحكومية ببراميل البارود، ونقص الغذاء والأدوية.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، قُتِل 160 ألف إنسان في الأقل، ونزح أكثر من تسعة ملايين، وتدفق ثلاثة ملايين من اللاجئين إلى البلدان المجاورة. وكثيرون عانوا من أهوال لا توصف، من الهجمات المتكررة بالأسلحة الكيميائية إلى قصف المستشفيات وطوابير الخبز.
ويتصرف الرئيس السوري بشار الأسد المتنامي القوة وكأنه يضمن الإفلات من العقاب. والمعارضة مفتتة تضم أكثر من ألف جماعة مسلحة. ويناضل جيران سوريا في محاولة التأقلم مع التأثيرات الجانبية الناجمة عن الصراع.
قبل ثلاث سنوات، كان قِلة من الناس ليصدقوا أن العالم قد لا يفعل شيئاً يُذكَر لمنع مثل هذا الوضع. ولكن الجهود الدبلوماسية خلال هذه الفترة كانت مؤسفة ومثيرة للرثاء. والواقع أن الأمم المتحدة لم تعين حتى الآن مبعوث السلام إلى سوريا في محل الأخضر الإبراهيمي الذي استقال مؤخراً.
يتعين علينا مع تضاؤل الأمل في التوصل إلى حل سياسي أن نركز على تخفيف الأزمة الإنسانية. على سبيل المثال، يبذل المجلس النرويجي للاجئين ولجنة الإنقاذ الدولية، جهوداً كبيرة لتسليم الإمدادات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا ومساعدة اللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم في أربعة بلدان. وتساعد هاتان الهيئتان حالياً أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري، بما في ذلك نصف مليون من النازحين داخلياً المصدومين والغاضبين والحائرين إزاء نقص المساعدة الخارجية.
وبوسعنا، بل يتعين علينا، أن نفعل المزيد. فأولا، لابد أن نركز على أربعة ملايين من المدنيين المحاصرين داخل سوريا الذين لا تصل المساعدات إليهم. فبعضهم يتم تجويعهم لحملهم على الخضوع، في حين يتعرض آخرون لأهوال وفظائع لا توصف. وتُعَد حلب النظير الحالي لمدينة سربرينيتشا ــ الموقع الذي شهد مذبحة مسلمي البوسنة بأيدي القوات الصربية عام 1995 ــ غير أن أرواح البشر المعرضة للخطر في حلب أكثر، ولا يوجد شهود دوليون يبلغون عن الأحداث هناك. وبرغم بعثة المراقبين التعيسة الحظ، فيتعين على مجلس الأمن أن يبحث عن السبل الكفيلة بزيادة تواجد المجتمع الدولي على الأرض.
وثانياً، يتعين علينا أن نعالج نقص اهتمام مجلس الأمن بالموقف الإنساني، وعلى وجه التحديد فشله في تنفيذ القرار رقم 2139. ونحن نقترح على الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، جنباً إلى جنب مع الدول الرئيسة في الشرق الأوسط، تعيين فريق مبعوثين للشؤون الإنسانية يتلخص غرضه الوحيد في تأمين القدرة على الوصول إلى المحتاجين للمساعدة. وسوف يكون المبعوثون من كبار الدبلوماسيين والساسة الذين يمكنهم تسخير أعلى المستويات الحكومية للطعن في انتهاكات القانون الدولي، والحد من الروتين، وفرض الضغوط على الأطراف المتحاربة للموافقة على وقف إطلاق النار على المستوى المحلي.
وثالثاً، يتعين علينا أن نعمل على تكثيف العمليات عبر الحدود. وبطبيعة الحال، سوف تنشأ مخاوف حول السيادة والموافقات، ولكن هناك الملايين من اليائسين على مسافة بضع ساعات من هذه الحدود. والتدابير البسيطة ــ بما في ذلك تسهيل إجراءات التسجيل والتأشيرة، وتحسين تبادل المعلومات مع عمال الإغاثة الذين يتخذون من دمشق مقراً لهم، وآليات التمويل التي يمكن التنبؤ بها ــ من شأنها أن تسمح للزملاء في الميدان بالتركيز على الوصول إلى أولئك الأكثر احتياجاً. وهذا كفيل بإحداث فارق كبير، وخاصة إذا تم تنسيقه بشكل جيد مع حزم المساعدات التي يتم تسليمها إلى المعابر الحدودية.
وأخيراً، يتعين علينا أن ندرك أن أزمة اللاجئين تفرض مسؤولية دولية جماعية. فالأردن تستضيف أكثر من 600 ألف لاجئ مسجل، فضلاً عن عدد مماثل غير مسجل؛ وهي تتوقع نصف مليون لاجئ آخر هذا العام. وتستضيف لبنان أكثر من مليون لاجئ، وهو أعلى عدد من اللاجئين للفرد الواحد على مستوى العالم ــ أو ما يعادل هجرة سكان ألمانيا وفرنسا بالكامل إلى الولايات المتحدة. كما تتأثر تركيا ومصر والعراق بشدة بمشكلة اللاجئين السوريين.
وبرغم ذلك فإن 26% فقط من الأموال المطلوبة لدعم جيران سوريا تم التعهد بتوفيرها، الأمر الذي أدى إلى خليط مرتبك من المساعدات القصيرة الأجل. ومع تضاؤل الموارد وارتفاع التوترات، فإن هذه البلدان تحتاج إلى المساعدة لضمان تماشي مساعدات اللاجئين مع خطط التنمية الوطنية الأطول أجلا، مثل خطة الصمود الوطني في الأردن وخطة تحقيق الاستقرار في لبنان. والواقع أن الاستجابات الدولية نصف الممولة ونصف المنسقة ونصف الملتزم بها لا تهدد الاستقرار الإقليمي فحسب، بل وتعرض أيضاً حياة الملايين للخطر.
إن الحرب الأهلية التي تبدو بلا نهاية في سوريا، والتي شُنّت من دون اعتبار للقانون الدولي، تركت عدداً لا يحصى من المدنيين تحت رحمة الأقدار. وكان من الواجب علينا أن نفعل المزيد لمنع هذه الكارثة التي تحولت الآن إلى أكبر التحديات الإنسانية في هذا الجيل.
*وكيل الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، والرئيس التنفيذي للمجلس النرويجي للاجئين.
وزير الخارجية البريطاني الأسبق، وهو رئيس لجنة الإنقاذ الدولية ومديرها التنفيذي.