جمال جصاني
برغم التجربة العتيدة للأشقاء اللبنانيين في مجال فقه المحاصصة الشاملة والتي لم تستثن بركاتها لا السلطات الثلاث وحسب بل تسللت الى حيث (السلطة الرابعة) ومجساتها الورقية منها والسمعبصرية، والتي حاولت في الحكومة الأخيرة أن تمرق قليلاً عن أسوار ذلك التوافق عبر تجريب الصيغة المتبعة في البلدان التي اعتمدت شرعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان واستبدلت صيغة البيعة ببدعة (المواطن) حيث تكلف الأكثرية الفائزة في الانتخابات بتشكيل الحكومة العابرة لجدران كيانات ماقبل الدولة الحديثة (القبيلة والعرق والطائفة و..) الا ان تلك المحاولة اليتيمة لم يسفر عنها غير صيغة اخرى للمحاصصة أكثر ضيقاً وعقماً من سابقاتها ذات التحاصص الشامل. وفي هذا الشأن يقدم لنا لبنان تجربته الرائدة، كي يكفينا عناء التجريب والخوض في مثل هذه السبل (المتهورة).
حكومة اغلبية بالمعنى المتداول في البلدان التي شهدت ولادة وترعرع وشيخوخة مثل هذه المفاهيم، لا صلة له بما يجري الحديث عنه في مضاربنا التي استفاقت فجأة على كرنفالات الصناديق والعبوات البنفسجية والكتل والتيارات والعشائر السياسية بعد أربعة عقود من حكم الحزب الواحد والقائد الضرورة. ان هذه الخفة واللامسؤولية في التعاطي مع مثل هذه القضايا ليست بالأمر الغريب عن ممارساتنا وطقوسنا التي أوصلت بلداً من أجمل البلدان واغناها مادياً وروحياً الى الغوص عميقاً في متاهات الغيبوبة والهذيان والتحديات الخرافية. غير القليل من نجوم مرحلة (مابعد التغيير) مولعون باقتفاء أثر النعامة وخططها التكتيكية في الدفاع عن النفس، لذلك نراهم لايكترثون بالعواقب والاضرار الفادحة عن طرح مثل تلك الخيارات غير الواقعية والتي يحتاج بعضها الى قطع شوط طويل والى تراكم كم غير قليل من التطورات كي تصل الى امكانية طرح مثل تلك الخيارات ومنها ذلك الذي ازداد رواجاً: (حكومة أغلبية).
في مثل هذه الظروف التي نعيشها، والمأزق السياسي والقيمي الذي نمر به، سيكون آخر ما نحتاج له هو اطلاق المزيد من بالونات الحمل الكاذب والمشاريع الوهمية. وعندما نكشف زيف مثل هذه الدعوات لتشكيل حكومة أغلبية، فان ذلك لا يعني معارضتنا لمثل هذا المطلب المشروع والذي نحتاج الى ما يشبه المعجزة من أجل الوصول اليه، بقدر ماهي محاولة لكبح مثل تلك الاندفاعات البعيدة عن الحكمة والمسؤولية والتي تصر على الامعان بممارسة هوايتها الخطرة في سيرك الدقلات.