عبد الأمير خليل مراد
تقوم رواية «ذلك الجانب من الجحيم» للكاتب والروائي علي السباك على ست وعشرين شخصية روائية فيها شخصيات تخيلية تظهر ثم تختفي غير أن بطل الرواية ذو توقيعات قائمة على أسطورة البطل الثوري الذي يقاوم الاستبداد والمهادنة، حيث نراه يشترك في الانتفاضة الشعبانية، وهو ذلك البطل الاستثنائي الذي تهيمن على سلوكه تبديات المغامرة والانتماء إلى الوطن.
غير أن هذا البطل يبدو مأزوما ، وينطوي في علاقاته على شك ديكارتي ، فهو لم يطمئن الى الجاذبية التي تشده نحو الأرض ، وهو يدرك مخاطر المغامرة في البقاء عليها أو التحليق إلى السماء بأجنحة معدنية وان هذه الشخصية هي شخصية مرتبكة تبحث عن الجنس ، وإقامة العلاقات غير البريئة مع نجلاء وفاتن ، والتناقض في جوهر المبادئ بين رجل ثوري ، ورجل هو عبارة عن زير نساء.
وقدم لنا بطل الرواية على أنه صحفي بارع ذو مبادئ مثالية يقاوم بها الإسلامي المستبد والذي قذفته الصدفة الى عالم الصحافة، كما هو حال محمد مهدي. غير إن الصحفي ينبغي أن يكون حاملا للقيم والأخلاق الراقية بوصفه إنسانا سويا بيد انه ينهزم أمام إرادة رئيس التحرير، وهو المداجي الذي جاءت به أسرار السياسة.
إلى هذا الموقع، بينما نجد مهند مطروداً من عمله الصحفي بسبب أحدى المقالات الرافضة، فانه يجد ملاذه في مكان آخر عند نجلاء وفاتن في معاقرة الخمرة والبحث عن خلاصه في هذه الملاذات المشبوهة.
ويبدو أن مهند يحاول الخلاص من أزمته النفسية في البحث عن ذاته في مغادرة هذا العالم ، عالم الاشتباك مع السلطة ، والتقاط أنفاسه في أماكن أخرى .
يقول ص13(كان مهند يبتعد تدريجيا عن أرض الوطن مخلفا وراءه ذكريات وحبيبات وأصدقاء وأماكن وأزقة غير منتهية ، ومدن مسكونة بحزن أزلي ، أحس انه يمضي نحو مجهول ما ، أخذ الإحساس بالقلق يتمسكه، ويتصاعد في داخله ، فيما راح شعوره بالغربة يمزق ذاته ويزيد عليه آلامه التي ظن أنه سيتخلص منها عندما يغدو جسدا حرا عالقا بين السماء والأرض).
ومن هنا الا يجدر بهذا البطل المتناقض الذي يحمل نزعات الثورة ، ومقاومة الاضطهاد السياسي، ان يكون فعلا صاحب مبادئ حقيقية ، وهو ذلك الاب لأربعة اطفال، اذ يلجأ الى البحث عند ملذاته مع فاتن المطلقة، ونجلاء التي فقدت زوجها في حروب الثمانينيات المجانية.
واعتقد أن تحول الإدانة للواقع قد جاء في مضمون الرواية، وهو ينطوي على مسارات غير واقعية ، فالمرأة التي ينتهي زوجها في الحروب تعمد الى ممارسة الجنس مع الصحفي مهند ، وتتنكر بهذه الممارسة إلى ماضيها ، وتاريخ زوجها الشخصي ، وقدسية الأمانة في الحياة والعلاقة الزوجية الموصوفة بالإخلاص والتضحية في بناء الأجيال.
فالرواية، هنا، تدور في فلك البطل الثوري المأزوم. والبطل المحبط، بينما يرسم الروائي علي السباك لبطل الرواية صورة أسطورية في المثل السامية و التفاني في الواجب حيث نراه في الجانب الآخر ينتهي إلى إنسان يرى حياته منكسرا مقموعا تحت تأثير شهواته التي عاشها تحت سندان الماضي الذي لم يستطع الافلات منه او تجاوزه.
«وبهذه الصورة فان الرواية تقدم بطلها بين النقد للمشهد السياسي من خلال الواقع الاجتماعي الشاذ لهذا البطل المهزوز . وقد أراد الروائي ان يرسم صورة الجحيم الكوني ، أم الجحيم الأرضي ، أم الجحيم السياسي ، أم جحيم الواقع الاجتماعي بعد أن عاش هذا البطل خارج همومه الحقيقية كإنسان عليه ان يحيا نموذجا استثنائيا بوصفه مثقفا وصحفيا ذا قيم عالية انتفض لأجلها وهو يقاوم السلطة الجائرة في التسعينيات.