المعارضة التركية في ألمانيا تتحول الى “صداع رأس” عند أردوغان

مع تدهور العلاقة بين برلين وأنقرة بسبب العديد من القضايا
بون ـ جاسم محمد

كانت محاولة “الانقلاب” الفاشلة في تركيا يوليو 2016، نقطة تحول في العلاقات الالمانية التركية، والتي شهدت تدهورا كبيرا، الى حد اصبحت فيه حكومة اردوغان تمثل صداعا مزمنا الى الى المستشارة الالمانية ميركل وحكومتها والى المفوضية الاوروبية.
شهدت العلاقات بين الطرفين الكثير من التوتر في اعقاب محاولة “الانقلاب” الفاشلة ، وتدهورت اكثر بسبب العديد من القضايا، بينها الحملة على الاستفتاء لتوسيع صلاحيات الرئيس أردوغان وبعد أن سجنت تركيا الصحافي “دينيز يوجيل”، الألماني- التركي الذي يعمل مع صحيفة “دي فيلت”، بعد اتهامه بالتورط في الإرهاب. وزادت العلاقة تدهورا بين الطرفين في اعقاب اعترف البرلمان الألماني خلال شهر يونيو 2016 بالقتل الجماعي بحق الأرمن في 1915/ 1916 كمذبحة جماعية. وتشهد العلاقات الالمانية التركية تدهورا سريعا، على مستوى سياسي واستخباراتي وحتى في مجال الدفاع داخل الناتو، وسبق الى المانيا ان سحبت بطاريات باتريوت من تركيا عام 2015، الى جانب اتهام الاستخبارات الالمانية تركيا، بانها منصة للجماعات الارهابية.
أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل يوم 08 يوليو 2017 خلال قمة مجموعة العشرين أنه لا تزال هناك “خلافات عميقة” بينها وبين الرئيس التركي أردوغان وخصوصا على صعيد احترام دولة القانون. وأوضحت أن لقاءها أردوغان على هامش القمة في هامبورغ “أظهر بوضوح أن لدينا خلافات عميقة” محورها حملة الاعتقالات الواسعة في تركيا إثر محاولة الانقلاب في 2016 أو الانسحاب الأخير للقوات الألمانية من قاعدة أنجرليك العسكرية التركية.
وقال خبير شؤون الدفاع في “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” الألماني، راينر أرنولد، يوم 14 يونيو 2017، إن أنقرة رفضت السماح لنواب ألمان بزيارة جنود يخدمون في قاعدة جوية قرب مدينة قونية. ويشكل هذا التطور تصعيداً جديداً في التوتر بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي. واتخذت المانيا الاجراءات العملية بسحب قواتها من قاعدة إنجرليك التركية يوم 09 يوليو2017.
وفي تطور اخر منحت الحكومة الالمانية عدد من الجنود ألاتراك وذويهم حق اللجوء، اغلبهم من العاملين في قواعد الناتو في المانيا. وأوضحت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” ومحطتا “WDR” و”NDR” أنه جرى قبول الطلبات الأولى المقدمة من مواطنين أتراك يحملون جوازات سفر دبلوماسية للحصول على حق اللجوء السياسي في ألمانيا. ووفقا الى تقارير وزارة الداخلية، ، وصل عدد طلبات اللجوء المقدمة إلى ألمانيا، من أتراك يعملون جنودا ودبلوماسيين وقضاة وموظفين كبار، إلى 414 طلبا خلال شهر مايو 2017. ومنذ المحاولة الانقلابية، سعى عشرات الدبلوماسيين والمسؤولين البارزين الأتراك إلى الحصول على اللجوء في ألمانيا وسط استمرار أنقرة في حملتها ضد من يشتبه بعلاقتهم بالداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بأنه وراء المحاولة.

مجموعات معارضة
تركية في المانيا
يوجد في المانيا وفقالاحصائيات مايقارب( 100 الف) كودري ما يجعلهم أكبر تجمع كردي في أوروبا، وجزء كبير منهم ينحدر من تركيا وهنالك تواجد واسع الى حزب العمال الكوردي في ألمانيا. وهناك ايضا أكثر من 300 جمعية في ألمانيا تعمل لمصلحة حزب العمال الكردستاني. وكثيرا ماتنتقد الاستخبارات التركية نظيرتها الالمانية، حسب وصفها بالقصور في التعاون في ملاحقة أنصار حزب العمال الكردستاني في ألمانيا.

النتائج
ـ يبدو ان خلافات حكومة اردوغان مع المعارضة ومنها الاحزاب الكوردية تنتقل تماما الى الداخل الالماني، بسبب حجم الجالية التركية في المانيا والتي تصل الى ثلاثة مليون نسمة. وزاد مشهد العلاقات التركية الالمانية، تعقيدا في اعقاب كشف تقرير الاستخبارات الالمانية منتصف شهراوغست 2016، يقول فيه :” تركيا أصبحت مركزا للجماعات الإسلامية المتشددة” وأن أردوغان لديه “تقارب فكري” مع حماس في غزة وجماعة (الإخوان المسلمين) المحظورة في مصر وجماعات المعارضة الإسلاموية المسلحة في سوريا وفقا الى الشبكة التلفزيونية الألمانية (إيه.آر.دي).
ـ ربما كانت اوروبا تحتاج الاتفاق التركي الاوروبي حول اللاجئين الذي وقع مطلع يناير 2016، والذي ساوم عليه اردوغان كثيرا، ظنا منه انه يستطيع ان يمرر شروطه على اوروبا ابرزها، فتح ملف انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي وحصول تركيا على الاقل اعفاء من شروط تاشيرة الشنغن، لكن جميع هذه الطموحات لم يحصل عليها اردوغان. الرفض الاوروبي الى اردوغان وسياسته كانت قوية من قبل دول الاتحاد الاوروبي، الى حد اتخاذها قرار بتجميد ملف مناقشة دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
ماذا يريد اردوغان من المانيا ؟وهل يعتقد بان سياسات لي الاذرع مع المانيا واوروبا تجدي نفعا؟
ـ تمويل الجماعات المتطرفة: مايعمل عليه اردوغان من سياسات تجاه اوروبا، يبدو انها ممنهجة، ومايثير غضبه هو وجود جماعات معارضة لحكومة اردوغان شطة في المانيا وفي اوروبا ابرزها جماعات كردية وجماعة “غولن”. المانيا ايقنت بان اردوغان متورط بتمويل الجماعات المتطرفة بينها جماعة الاخوان وتنظيمات “جهادية”، الى حد اتخاذ البرلمان الالماني الكشف عن تقرير سري، يؤكد بان اردوغان لديه مقاربات فكرية وتنظيمية مع جماعة الاخوان وحماس وغيرها من التنظيمات، المعروفة بالتطرف.
ـ حكومة اردوغان غير مرحب بها : العلاقات التركية مع المانيا ومع دول الاتحاد الاوروبي وصلت الى طريق مسدود، واصبحت حكومة اردوغان، غير مرحب بها، الى حد رفض عدد من الدول الاوروبية، السماح الى اعضاء في حكومة اردوغان بدخول اراضيها، ويعود السبب ان دول اوروبا ايقنت بان حكومة اردوغان تحولت الى حكومة شمولية، لا تتوفر فيها المعاير الديمقراطية، وان اعضاء حكومته تحولوا الى “ وسيلة دعاية” يتجولون في اوروبا، لاثارة البلبلة، وهذا مايشغل الحكومات الاوروبية، ويكلفها الكثير من الاجراءات الامنية والاحترازية ضد انشطة حكومة اردوغان غير الشرعية.
ـ من المتوقع ان تشهد العلاقات الالمانية التركية تدهورا اكثر: العلاقات مابين تركيا والمانيا الى جانب دول اوروبية اخرى من المتوقع ان تشهد تدهورا اوسع، فقد تجاوزت حكومة اردوغان، حد المقاربات الفكرية مع الجماعات المتطرفة، الى ان تكون ظهيرا وملاذا الى (جماعة الاخوان وتنظيمات جهادية ) اخرى مصنفة على قوائم الارهاب.

التوصيات
ماينبغي ان تعمل عليه الحكومة الالمانية هو رصد ومتابعة علاقات حكومة اردوغان داخل المانيا التي تتخذ من رجال الدن وائئمة المنابر ذراع لنشر التطرف في اوروبا وزعزعة الامن لكي تكون ورقة ضغط لصالح حكومة اردوغان، ومحاولة منه ايجاد فجوة بين الجالية التركية في المانيا والحكومة، من اجل تحقيق مصالح حزب العدالة. الى جانب ذلك،تحتاج الحكومة الالمانية ايجاد سياسة تكامل واندماج اوسع الى الجالية التركية، خاصة مزدوجي الجنسية.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة