مع تأييدي الكامل لأعطاء المحافظات صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها مع التأكيد على مسؤولية الحكومة المركزية بموجب الدستور، ولكني أجد أن هناك تفاوتاً من نوع آخر بين المحافظات العراقية يتعلق بالجانب الثقافي ومدى السماح بأستقلالية القرارات التي تتخذها مجالس المحافظات بما يتعلق بالفعاليات الثقافية من حيث عقدها أو محتواها والمواضيع التي تتطرق اليها، وقد لاحظت أنه باستثناء العاصمة بغداد ومحافظات إقليم كردستان فأن هناك تفاوتاً بين المحافظات في نشاطها الثقافي، فمحافظة بابل مثلاً تشهد نهضة ثقافية وفنية وتنعقد فيها المؤتمرات والندوات المفيدة وبما يظهر مدى الوعي في هذه المحافظة، كما أن محافظات أخرى مثل واسط والديوانية والعمارة تقيم المعارض الفنية بما يشجع حركة الرسم وبشكل لا يقل مستواه عن المعروض في بغداد والدول العربية.
وهنا لا أريد توجيه إتهامات لبقية المحافظات بعدم تشجيع الثقافة والفن، فلكل محافظة ظروفها، ولكن الملفت للنظر أن محافظة البصرة وهي معقل معروف للثقافة العربية وميناء العراق الذي ينبغي أن يعطي صورة متحضرة للدول الأخرى تشهد انتكاسة في مجال التعامل مع الأعمال الفنية، فعلى الرغم من أنها موئل مهرجان المربد وهي مدينة كبار الشعراء والمثقفين، إلاّ أن قرارات تصدر بين حين آخر بمنع نشاطات ثقافية وفنية يعتقد البعض أنها تتعارض مع التقاليد والأعراف التي يضعون حدودها ومبادئها بأنفسهم من دون أن تكون لها علاقة بما أعتادت عليه البصرة ومحافظات العراق الأخرى من ابراز الوجه الحضاري للعراق عبر التأريخ!
إنني لا ادعو الى تشجيع مظاهر التحلل والخروج عن التقاليد التي يجمع المجتمع على رفضها، ولكن لا يجوز لبعض القوى ذات الافكار الخاصة بها أن تفرض رأيها على المجتمع كله فتجيز ما تجيز وتمنع ما تمنع وحسب اجتهاداتها الخاصة بها، فأذا كان البعض يعارض مسرحية ما أو فعالية ثقافية فبأمكانه أن لا يحضرها ويقاطعها، ولكن لا يجوز له منعها ومصادرة رأي الناس وذوقهم.. واذا ما استمرت هذه الممارسة فأنها ستشكل ظاهرة خطيرة في (ديكتاتورية) من نوع جديد لا تختلف عن الديكتاتورية السياسية.
إن أملنا في أن يعيد مجلس محافظة البصرة أو القوى المتنفذة في المحافظة في موقفها هذا، وأن تهتم بأمور الخدمات والأمن ومساعدة المعوزين والفقراء، بدلاً من الوقوف في وجه العمل الثقافي والفني بموجب اجتهادات قد لا تكون هي الصواب لدى جميع الناس.
أمير الحلو