رؤيا حميد ياسين
لعل الاعوام (1890-1914) كانت منطلقا لظهور حركة تجديدية في الفن عموما هي حركة الفن الجديد (أرت نوفو) التي وجدت ذروتها في الشيوع بين الاوساط الفنية في فرنسا وبريطانيا ، وكان من أبرز ما دعت اليه في الحداثة هو الهندسة المعمارية والتصميم عندما تجلت حينذاك الخطوط المنحنية والازهار والاشكال المستوحاة من النباتات ، وقد ظهر الفن الجديد بطراز تصميمي وزخرفي جديد بعيدا عن القواعد التصميمية التقليدية السابقة ، فأطلق على هذه الحركة تسميات عديدة منها في انكلترا باسم (Modern Style) وفي فرنسا (Art Nouveau) ، وقد أهتم فنانوا هذه الحركة باحترام العمل اليدوي واحياء الحس الفني ، وكذلك اعادة احياء مفهوم الفنان المصمم ، ولقد أثرت تلك الحركة بشدة على الفنانين المعماريين بشكل خاص وأخذت تنتشر في مختلف بلدان أوربا وعلى وجه التحديد في المانيا اوائل الثلاثينيات من القرن العشرين.
ومن الجدير بالذكر استعمال العديد من الاختراعات التقنية ، إذ برزت الديناميكا والاشكال المتموجة والخطوط المتدفقة والاقواس المختلفة والخطوط ذات الايقاعات المتغيرة التي أعطت للأرت نوفو الميزة في استخدام القطوع المتكافئة ، وكانت مستوحاة بشكل كبير من الاشكال النباتية وبرزت تلك الطرز على اعمال العديد من الفنانين الرمزيين امثال (أوبري وبيرتسلي والفونس موتشا وكوستاف كلمنت) الذين استفادوا من حركة الآرت نوفو بسرعة وأضافوا الكثير من الاشياء على سطوحهم التجريدية ووظفوها في بنياتهم الشكلية ، وإثر ذلك برزت الصين واليابان ودول شرقي آسيا في استخدام البساطة في الشكل والزينة والازياء والاثاث والعمران أثرت حركة الفن الجديد في تصميم الازياء إذ أتسمت بشيء من الرومانسية الحالمة والتي ظهرت في الخطوط المنحنية للملابس ، كما ظهرت تأثيرات الفن الجديد في تصميم الاقمشة التي كانت تطرز بتصميمات من عناصر الورود والنباتات والتي رسمت بتلقائية واضحة وانعكست فلسفة هذا الاتجاه على ألوان الازياء ، وقد رافق ذلك التأثيرات التي أحدثتها التغيرات التكنولوجية والعلمية في التطور الصناعي والتقني على الموضة ، الأمر الذي ساعد على تغيرها بشكل أسرع ومختلف عن ذي قبل ، كما ظهرت بدايات الانتاج الميكانيكي في مجال النسيج مع تحسين في خواص الالياف من خلال المعالجات الكيميائية المختلفة وبالتقنيات المتعددة وكان من أشهر مصممي الموضة آنذاك هو المصمم الفرنسي (بول بواريه) الذي أظهرت مبتكراته أثرا شرقيا واسعا فوجدت تلك التأثيرات نجاحها الاكبر على الباليه الروسية سنة 1909 ، وكانت المرصعات بالألوان اللامعة والرونق الشرقي قد أثرت على الذوق العام بفعل ما حققه بواريه ، الذي أستخدم في الوان الازياء الارجواني والاحمر والقرمزي والاخضر الزمردي وأعاد الحياة والحيوية الى الاقمشة والازياء في ذلك الزمن . وأضاف العديد من الزخارف على تصميم الاقمشة وطرزها بالجواهر والذهب والفضة والخرز والفراء وغير ذلك ، ويعد بول بواريه من أهم المصممين الفرنسيين الذين ظهروا في العقد الاول من القرن العشرين بما تميزت به تصميماته من تحرر وتجديد وابتكار ، ولإرسائه افكارا جديدة لم تكن موجودة من قبل وكانت استجابة لمؤثرات الآرت نوفو ، وقد أثر في تحرر المرأة بما حققه من تصميمات مستحدثة تركت بصمة جمالية مهمة على أزياء النساء في القرن العشرين بل أحدث ثورة في صناعة الموضة ، وقد صرح في إحدى المرات قائلا : ( لقد أحببت دائما الرسامين ، ويبدو لي أننا نقوم بنفس العمل، وبالتالي يمكن القول إنهم زملائي في المهنة) ، وكانت تصميمات بول بواريه مطبوعة على أقمشة البروكارد ذات الالوان اللامعة وتميزت بالألوان الهادئة وتضمنت رسومات الزهور والنباتات والطيور ، وكان يصمم رسوم الاقمشة والاثاث والمسارح وملابس الباليه ، إذ نجده يبسط في ملامح عناصره مسطحا أياها مع تعدد الوانها وزهائها صانعا لمرحلة ازدهرت فيها الفانتازيا الزخرفية التي لا تقلل من قيمة العمل وانما تضفي عليه قدرا من البهجة والحيوية ، إذ تحولت العناصر الاولية الى وسائط يستخدمها في توليف حركة ايهامية لا تنقطع ، وتتميز تلك الازياء بالانسجام اللوني الذي يظهر من خلال مجموعة لونية موزعة في جميع الفستان بشكل متوازن واتسمت الخطوط الداخلية للزي بالزخرفية والهندسية التي تتضح من خلال تقسيم الزي رأسيا وأفقيا ، واستخدام الاقمشة بوفرة في الموديلات التي أكدت على الليونة والانسدالية والانسيابية والانوثة مع اشغال الخرز والتطريز والشرائط النسيجية والزخرفية بالاحجار الكريمة والازرار الكبيرة والريش ، وكانت الجونلات واسعة وطويلة حيث تبدأ من حول الوسط مسدله على الارداف ثم تتسع حيث تنتهي بذيل من الخلف على الارض ، إذ كان المجتمع الاوربي آنذاك يعتمد على إظهار سمات الثراء والفخامة والاناقة مع مزيج من الرومانسية ، كما كان الاهتمام بالموضة قد أصبح واحدا من أولويات المجتمع حيث الازياء التي تدلل على انتماء مستخدمها الى أحدى الطبقات الاجتماعية الموجودة في ذلك الوقت اذ كانت سيدات المجتمع يرتدين اكثر من أربعة موديلات في اليوم الواحد، وكانت عناصرها الاساسية تتكون من البلوزة وتتميز بوقوف (الياقة) إذ كانت تجعل الرأس دائما مرفوعا لأعلى مما يعطي انطباعا بالأرستقراطية.