جمال جصاني
ما نضح عن الجلسة الاولى لمجلس النواب العراقي الجديد (الدورة النيابية الثالثة) لا ينبغي ان يثير كل هذا الانزعاج والغضب لدى غير القليل من المتابعين للمشهد العراقي وفصوله المتواصلة عما عرف بحقبة الفوضى الخلاقة وملحقاتها من آليات الديمقراطية وصناديقها وعبواتها البنفسجية ودوراتها الأمينة لثوابت الامة وفرسانها من نجوم المحاصصة، حيث النتائج محسومة سلفاً لممثلي هذا المأزق التاريخي الذي يواجه هذا الوطن المنكوب بالتجارب الخائبة. ومع قليل من البحث في نوع الافراد والجماعات التي وصلت الى مقاعد البرلمان، ونوع المواهب والمؤهلات والرؤى الذاتية لهم، يمكن ان نستشرف نوع الآفاق والنتائج التي ستثمر عن مجلسهم هذا مع التهديدات والتحديات الجسام المتربصة بمصير ووجود هذا الوطن القديم وسكانه من شتى الرطانات والعقائد والأزياء.
البرلمان الجديد لا يختلف عن سلفه الذي اوصلنا عبر سلسلة من جلساته الفنطازية الى ما نحن عليه من ترقب وانتظار عند حافات الهاوية، فالجماعة ومن شتى المكونات والمربعات والرطانات، متفقون على عدم المس بثوابت الامة وعلى رأسها مقولة (أهل الحل والعقد) حيث تتحول جلسات البرلمان الى مشاهد شكلية يقوم فيها المنتسبون له (حيث الاغلبية السياسية لم تصل للعتبة الانتخابية) باستعراض قدراتهم الخطابية وجوارحهم العدوانية، لكسب ثقة لا جمهورهم غير الموجود اصلاً، بل كسب رضا اولياء نعمتهم من حيتان الفتح الديمقراطي المبين. لذلك فالنتيجة طبيعية تماماً، حيث لا وجود لمرشح متفق عليه لرئاسة البرلمان الجديد، لا شيء غير المؤهلات والمقذوفات الصوتية ذاتها، حيث يتم تبادل الاتهامات وتبرير الفضائح والهزائم الوطنية المرة. ومع مثل هذا البرلمان المسلوب الارادة لا يمكن الا اسدال الستار على هذه التجارب البرلمانية المعطوبة، ومواجهة حقيقة الحاجة الى عملية سياسية مغايرة تماماً لهذه المستندة الى آليات الديمقراطية من دون روحها وفلسفتها وتشريعاتها ومقوماتها الاساس، والتي يقف على رأسها؛ مهمة خلق مفوضية مستقلة للانتخابات بعيدة عن أدران المحاصصة وفضلاتها السامة، وتشريع قانون للأحزاب والمنظمات السياسية، يحظر فيه تأسيس أي تنظيم على اساس طائفي أو عرقي أو غير ذلك من تشكيلات تهدد وحدة الوطن واستقراره.
ملامح الدورة النيابية الجديدة تحددت منذ الجلسة الاولى، حيث حفرت رسالتها بكل وضوح، عندما دعتنا لترك كل اشكال الاوهام والآمال الكاذبة بإمكانية البرلمان الثالث على اجتراح المعجزة لانتشال مشحوفنا المشترك من المصير المنحدر اليه. رسالة لا تحتاج الى جهد كبير لفهم ندائها الأخير في البحث عن سبيل آخر لا ينتج لنا مثل هذه البرلمانات المعطوبة..