مازالَ عمود الرأي الذي نشرته صحيفة «التّايمز اللّنديّة»، الأسبوع الماضي، للكاتب «روجر بويز»، يتلقّى اهتماما واسعا من قبل وسائل غربيّة، وعربيّة. ويشنّ الكاتب في مقاله الذي يحمل عنوان «حان الوقت لنقول للسّعوديّين بعض الحقائق»، هجوما يكشف فيه عن معلومات وحقائق تعمد السعوديّة ـ بحسب مُعارضين – إلى فتْل عنقها وتغطيتها بجهود أقلام البترودولار المُخلصة في تزييف الحقائق والدّفاع عن حواضن تفريخ الإرهاب وتصديره في المنطقة منذ قاعدة أفغانستان إلى داعش الموصل.
ويقول الكاتب في المقال:» الحقائق المطروحة: إن خزائن الفصائل المسلّحة في سوريّا والعراق تطفحُ بالاموال السّعوديّة»، ويحثّ «روجر بويز» الرّأي العام على التّذكير دائما «بأنّ المملكة السعوديّة لم تكن يوما حليفا سهلا، إنّ 15 من 19 متآمرا في أحداث الحادي عشر من أيلول كانوا من السّعوديّين، مع إنهم كانوا على اتّفاق واضح مع الغرب».
كما يشير الكاتب إلى أنّه «من الطّبيعي أن تَدلّك آخرُ تقارير حقوق الانسان ظهرَت حول المملكة العربيّة لتصفها بأنّها دولة تنتهك الحقوق الدّينيّة للإنسان». ويستطرد الكاتب بالقول: «إنّ أعداد المُقاتلين السّعوديّين أكثر من أعداد المُقاتلين من أيّة جنسيّة أخرى»، ويُضيف :»لايجب أن يشتري ثراءُ المملكة العربيّة السّعوديّة صمتنا، إن تمويلها الجهاديّين يُهدّد أمننا القوميّ».
ملحق (زاد) يترككم مع الترجمة الكاملة للمقال:
«حان الوقت لنقول للسّعوديّين بعض الحقائق»
بقلم: روجر بويز
لا يجب ان يشتري ثراء المملكة العربيّة السّعوديّة صمتنا. إن تمويلها الجهاديّين يُهدّد أمننا القوميّ.
منذ أن ارتدى أمير ويلز اللّباس العربيّ وتقلّد السّيف ليشارك في رقصة الصّحراء في شباط، عرف الجميع بأنّ المملكة السّعوديّة هي من أفضل زبائن سوق السّلاح البريطانيّة وإنّ الخلاف الذي أثير حول صفقة «طائرات التايفون» وجد طريقه للحلّ وازدادت الطّلبيّات التي صاحبها تأمين ما يقارب الـ 5000 فرصة عمل في لنكشاير.
الزّبائن الجيّدون لا يشكّلون بالضّرورة حلفاء جيّدين. ففي السّنة الأخيرة كان توجّه العمل السّعودي مُخالفا لما يُمكن أن يصبّ في مصلحتنا، مع ذلك فالمملكة ما تزال جزءا من المنظومة الأمنيّة الغربيّة. وإنّ معظم مُحاولات فكّ عُقد خيوط الشّرق الأوسط قد تبنّتها الولايات المتّحدة بيد عسراء لينتهيَ بنا المطاف الى فقدان الدّول الصّديقة في المنطقة. مع ذلك، فإنّ فقدان المملكة السّعوديّة ولَعها المعهود ودورانها في فلكٍ آخرَ بعيدا عن أمريكا والغرب أصبح من أهمّ المؤشّرات غير المنطوقة التي كشفتها أزمتا سوريّا والعراق مؤخّرا.
الحقائق المطروحة: إنّ خزائنَ الفصائل المُسلّحة في سوريّا والعراق تطفح بالأموال السّعوديّة، وإنّ أعداد المقاتلين السّعوديّين أكثر من أعداد المقاتلين من أيّة جنسيّة أخرى، وحثُّ رجال الدّين السّلفيّين في بريطانيا الشبابَ على حمل السّلاح وقتل الشّيعة والكفّار في العالم. إنّنا قلقون بشأن المجاهدين البريطانيّين ولكنّ السّعوديّين، ومن بينهم من كان مُقاتلا في الشّيشان والبوسنة وأفغانستان، هم الصّبغة الغالبة في مجتمع المُقاتل الأجنبيّ (أو ما يعرف بمقاتلي الحريّة) أو المجاهدين. فقد بلغ عددهم في الميدان ألفا ومئتي مُقاتل، وقد يصل الرّقم الى الألفين. إنّ سجلّ الوَفَيَات يُبيّن مَقتلَ 300 منهم في العام الماضيّ. إنّه جيش مُتنقّل يتشعّب ضمن تشكيلات مختلفة كجبهة النّصرة وداعش الذي يعتبره البعض أكثرَ اعتدالا في الجبهة الإسلاميّة. مع ذلك لا يمكن مقارنة هذا كلّه بما يُشكّله الهُواةُ من المُغرّر بهم في زجّ اسم بريطانيا في هذه الحرب القذرة.
إنّ وَقود هذه الحرب هو الغضبُ السّعوديّ الذي يُؤطّره الدّعاة السّعوديّون بأنّه دفاع عن مكّة. لم تُكلّف المملكة السّعوديّة نفسَها الكثير من الجهد الرّسمي لقطْع تدفّق الأموال من المانحين الأثرياء والجمعيات الخيريّة الى الجماعات المُسلّحة.
يجبُ التّذكير بأنّ المملكة السّعوديّة لم تكن يوما حليفا سهلا. وإنّ 15 من أصْل 19 متآمرا في أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر عام 2001 كانوا من السّعوديّين، مع أنّها (أي: المملكة) كانت على اتّفاق واضح مع الغرب.
ففي عام 1945 التقى الرّئيس الأمريكيّ روزفيلت (ينتمي إلى الحزب الدّيمقراطيّ) بالملك السّعوديّ عبد العزيز (مُنِحَ سلطة كبيرة على حقول النّفط السّعوديّة لصالح شركات النّفط الأمريكيّة عام 1944م) على متْن سفينة حربيّة في قناة السّويس وقد توصّل الاثنان الى اتفاق كانت خاتمتُه أنْ يَهَبَ الرّئيسُ الملكَ طائرة شخصيّة تحمل عرْشا لتتوجّه بهما الى مكّة.
إنّ الاتّفاق أعلاه اهتزّ بعض الشّيء. وما زلنا نعتمد على السّعوديّين في السّيطرة على أسعار البترول في العالم على الرّغم من وصول أمريكا الى أعتاب الاكتفاء الذّاتيّ من الطّاقة مع اكتشافاتها المُتتالية لتقنيّات إنتاج الوقود من مواردها المُتوفّرة، وهنالك قبولٌ ضمنيّ لبرنامج إيران النّوويّ على نحو مُحدّد والتّعاون مع طهران بشكلٍ غير مُعلن في العراق. في هذه الاثناء فقدَ التُّرْس الأمريكيّ صلابته. أمّا بالنّسبة للسّعوديّين فإنّ نقطة التّحوّل تمّ تسجيلها العامَ الماضيّ حين أخفقت أمريكا بشنّ هجمات ضدّ نظام بشّار الأسد عقِب استخدامه الأسلحة الكيمياويّة. فقد السّعوديّون أملهم تماما بردّ عسكريّ غربيّ.
منذ ذلك الحين لم يقْوَ أحدٌ على ردْم الهوّةِ بيننا. فكيف نستطيعُ مع الوصول الى هذا الحدّ بلورة أيّة سياسة تجاه الأعداء والأصدقاء؟ لكنّنا يجب أنْ نستغلّ قشّة التّأثير المتبقّية التي تخصّنا في البيت السّعودي.. في رسالة التّوديع التي ألقاها السّفير البريطانيّ السّابق الى المملكة العربيّة السّعوديّة مُخاطبا عددا من مسؤولي الخارجيّة: «في اعتقادي أنّ الحيلة الذّكيّة هو إبقاءُ ذكْر المملكة السّعوديّة خارجَ ما يُنشر في الصّحافة البريطانيّة». يجب إيقافُ ذلك. يجب أنْ تُكشَفَ هذه العلاقة للعَيان وإلاّ فإنّ التّعريف الوحيدَ لعلاقتنا ستكونُ: المركنتلية الجبانة*. من الطّبيعيّ أنْ تَدلّك آخرُ تقارير حقوق الإنسان ظهرَت حول المملكة العربيّة لتصفَها بأنّها دولة «تنتهكُ الحقوق الدّينيّة للإنسان» وتستنتج أنّ بريطانيا ليس بوسعها عمل الكثير فيما يخصّ سجلّ المملكة المُروّع من الإعدامات الجماعيّة التي من الأصحّ تسميتها بحملات قطْع الرّقاب. مُقابلَ ذلك تُصرّح الخارجيّة البريطانيّة بما يأتي:»حاليّا نركّز جهودنا لتشجيع المملكة السّعوديّة لتطبيق الحدّ الأدنى من معايير الاتحاد الأوربي الخاصّة بعقوباتِ الجرائم الكبرى».
وعليه، فلا غرابة من الفخْر الذي يعْلو الدّاعشيّين وهم يَعرضون أعداد (عمليّات الذّبح النّاجحة) لمانحيهم السّعوديين والخليجيّين التي تمّت خلال السّنة الماليّة السّابقة. يجب التحدّث وبكلّ وضوح – أعني الغرب والسّعوديّين – يجب إيقاف تدفّق الأموال إلى الإرهابيّين. علينا العمل معا لانهاء هذه الفكرة التي روّج لها عُلماءُ الدّين السّعوديّون وهي أنّ العراق يجب أنْ يتحوّل إلى ساحة نزال حتّى الموت بين السّنة والشّيعة.
المملكة السّعوديّة صارت حليفتنا لأنّها أمّنت لنا احتياجات اقتصادنا النّفطيّة. أمّا الآن فإنّ أفعالها تسلُب العراقَ استقرارَه، والعراق صاحبُ ثاني أكبر احتياطيّ للنّفط بالعالم. لم يكن هذا اتّفاقنا عند حصول الملك عبد العزيز على عرشه المحمول جوّا.
•المركنتلية: نظام اقتصاديّ يهدف الى تطوير الزّراعة والصّناعة وإنشاء الاحتكارات التّجاريّة الخارجيّة.
عن التايمز اللندنية
ترجمة: آمال إبراهيم