جمال جصاني
يبدو ان مرحلة النضال السري لفلول النظام المباد قد شارفت على نهايتها، بعد مرور أكثر من عقد على لحظة قذفهم لأسمال الزيتوني الى حيث الفصائل الملثمة. وبعد ان امتشق الرفاق الازياء الباكستانية والافغانية وطبقوا بدقة يحسدون عليها تقنية الانحناء أمام العاصفة، هاهم يفصحون عن دورهم الفعلي في كل ما جرى على تضاريس هذه المستوطنة القديمة منذ لحظة الهرب الاسطوري لهم أمام شبح أول دبابة اميركية على أحد جسور بغداد، الى «عروس الغزوات» في الموصل. لقد اعلنوا عما كتبنا عنه مراراً؛ من ان غالبية المخلوقات والجماعات والفصائل بشتى عناوينها ووظائفها قد خرجت من معطف البعث. ومن رحم جمهورية الخوف المتفسخ تقافزت الى هذه المضارب المنكوبة نسخ من مشاريع ولايات الخوف، حيث ثوابت الأمة الواحدة والرسالة الخالدة ذاتها التي أهدت وطناً من أثرى الاوطان مادياً وروحياً كل هذا الانحطاط والخراب. لكن وبالرغم من هول الصدمة وما رافقها من مرارة وأسى على ما جرى في الموصل والمناطق المحاذية لها في الاسبوع المنصرم، الا انها يمكن ان تتحول الى عامل حاسم ومؤثر في تغيير مسار الأحداث وبما لا يتفق وحسابات سدنة الخوف والهمجية والانحطاط المتقافزين من كل فج ضحل لمعطف البعث.
من أهم العبر والدروس التي ينبغي الالتفات لها، هو تجفيف منابع التشدد وضيق الافق وكره الآخر، تلك المناخات والبيئة المناسبة لتخصيب بيوض البعث وما يتجحفل معه من تنظيمات شعبوية وفاشية وطائفية، فلا خيار أمامنا لحفظ وحدة الوطن وامن شعبه، غير المشروع الوطني الديمقراطي، والذي يستدعي منا جميعاً الشجاعة والمسؤولية للكف عن العبث بمصير الوطن والناس بالاصرار على الاعتصام بفضلات شرنقاتنا الآيديولوجية التي عفا عليها العلم والزمن. هذه المهمة، كما بقية المهمات التي تكلست مفاصلها في انتظار الشروع بها لتحريك عجلة التحول الفعلي صوب الديمقراطية وبناء النظام الجديد المتخفف من اوزار وفضلات ذلك الارث الثقيل من تقاليد القهر والاستبداد، والتي تكاثرت وازدهرت في حقولها التجارب البعثية والداعشية في العراق وسوريا وبقية المضارب المنكوبة. ان الهزائم السياسية والمعنوية والعسكرية التي لحقت بالتجربة الفتية، تدعو من وضعتهم المصادفة التاريخية على سنامها، للكف عن منهج المراوغة والتضليل والتبريرات العقيمة، والتماس سياسة المكاشفة والشفافية لتسليط الضوء على الشروط والقوى التي تقف خلف كل هذا العجز والخواء في المشهد الراهن، كي يفسح المجال أمام قوى المجتمع الحية لتسترد زمام المبادرة في التصدي لعسس الردة الحضارية وقوافل الفلول المسكونة بحلم العودة لـ (بستان قريش).