سعد القصاب
تبقى المعارض المشتركة، خصيصة لافتة في المشهد التشكيلي العراقي. ثلاثة فنانين، وفنانة، من العراقيين المقيمين في السويد، يجتمعون مع اثنين من أقرانهم من بغداد، ليقيموا معرضاً فنياً مشتركاً، توزعت فيها أعمالهم على قاعة فنون بلدية فكيشو والقصر الإيطالي « 26 نيسان – 25 ايار»، وفي احدى مدن الجنوب السويدي.
جاء المعرض بعنوان «الأوردة»، كناية عن نهري دجلة والفرات. الحنين، أيضاً، بات ثيمة مشتركة لذلك المشهد ولهذه المعارض. تجارب ستة فنانين متقاربين في تاريخ تجاربهم وحضورهم الفني الذي بدأ منذ تسعينيات القرن المنصرم، في أثناء مشاركاتهم في المعارض التي كانت تقام في بغداد وحتى رحيلهم الى بلدان استقبال أوروبية بعد ذلك العقد.
على الرغم من اشتغالاتهم الأسلوبية، المتعددة، والمتنوعة، لجهة خبراتهم الذاتية التي تحصلوا عليها، ظلت جدلية الانسان والمكان دلالة تعبيرية معلنة بل مشتركة في تجاربهم. ما بين المكان في صورته الأصيلة الكامنة في الذاكرة الجمالية، والتحولات التي رافقتها، بمؤثراتها، وبأسباب خيار الرحيل الى بلد آخر، مختلف، والبقاء فيه. أحمد نصيف، وفلاح العاني، وجعفر طاعون، وحيدر علي، وتغريد هاشم، وحسن الصباغ، كانوا هم الفنانين المشاركين.
تجربة الفنان أحمد نصيف «1967»، بغداد، انطوت على مشهدية لا تخلو من حس غرائبي. كائنات تتجول وحيدة في مدينتها، وستكون أشكالها المحورة والمبالغة في انعكاساتها التعبيرية، بمنزلة شهادة يومية صورية عن حال مدينة مقفرة. حديّة الخطوط الخارجية في تمثيل أشكال وايماءات بدلالات انسانية، الاختزال اللوني وأحاديته، عدا خلو الفضاء التصويري واكتفائه بمساحات لونية كابية، ومحايدة. مثل هذا الانشغال الأسلوبي سيفترض رؤية هي نتاج ذاكرة غابت عنها ألفة المكان وحضرت بدلاً عنها صورة حزينة تكشف عن وحدة الكائن واغترابه.
فيما تبدو لوحات الفنان فلاح العاني 1967، مقيم في السويد، تنتمي لجهد تصويري، يعيد توصيف مشاهد حرب شهدتها بغداد بعد احتلالها، بعد العام 2003. صورة أسراب الطائرات المغيرة التي تحتل أفق المدينة الرصاصي، والكائنات الانسانية الفزعة من دوامة الخراب التي طالت وجودهم واحلامهم وأمكنتهم، ومن الذين مكثوا يتطلعون الى فضاء تؤثثه المأساة، واقفين يلوحون بصراخهم وبأجسادهم وملامح وجوههم الغاضبة.
الفنان جعفر طاعون «1964»، مقيم في السويد، في العديد من لوحاته المصغرة، ذات الأثر التجميعي، ثمة فعل انتماء الى عملية الرسم، بوصفها ممارسة جمالية خالصة. كانت مفرداته الشكلية، التجريدية، التي توزعت بين سطوح مصغراته، هي لحظة إعلان عن هذه الانشغال الحر. يكتفي جعفر باللون الأخضر وتمظهره البصري في أشكال مجردة، وبسيطة، كسمة لمعنى الجمال، والتي تتوزع بين فضاء تصويري تشغله المساحات البيضاء. دلالة شديدة الاختزال، تكرر وجودها بتأليفات مختلفة، من أجل تعزيز ثيمتها وحضورها المستقل.
يستعيد الفنان حيدر علي «1966»، مقيم في السويد، تمثّل تجربته منذ أن كان في بغداد، في أن يبقي السطح التصويري للوحاته، والزاخر بالتضاد اللوني الصريح، فضاء مفتوحاً لحضور الأثر الحروفي القديم. والذي سيقيم مقاربة مع حروف لاتينية، أو أشكال انسانية محورة، أو ثيمة ذات مغزى سياسي، «الكرسي». وستكون لوحاته في بلد الاستقبال منشغلة باداء تعبيري عابر لرمزية محلية، لجهة حس تجريبي يتطلع لما هو انساني في نسخته المعاصرة.
وبخلاف الفنانين الآخرين، تشارك تغريد هاشم «1969»، مقيمة في السويد، بأعمال فوتوغرافية تمت معالجتها بأدائية وسائطية، سيكون لوجه المرأة، وفعل تكراره، مفردة صورية تحتفظ بمركزيتها. وجوه ملتاعة، تغمرها الوحشة وفي أماكن واقعية معتمة ومجهولة الهوية. والتي لا تخلو ملامحها من ايماءات تعبيرية تشابه خشية الكائن الانساني في وحدته.
استطاع المعرض المشترك هذا، الى أن يفترض بعض مشاهد وانشغالات المحترف الفني العراقي المعاصر، حتى وان كان الكثير من فنانيه قد غادروا وطنهم الى بلدان استقبال أخرى؟