85 في المئة من أكاديميي العراق في وظائف حكومية
السليمانية ـ الصباح الجديد:
يعتمد نظام التعليم في العراق بشكل كبير على الحفظ عن ظهر قلب وطبع الإجابات الموجودة على شبكة الأنترنت لكن الأستاذة الأميركية كريستين فان دن تورن التي تعمل في الجامعة الأمريكية في العراق ترى إن إنشاء المزيد من المؤسسات التي تشجع الحوار والبحث الحقيقي من شأنها أن تغير العراق وسياسته نحو الأفضل.
دخل خريجو الدفعة الثالثة لكلية الفنون الحرة في الجامعة الأميركية في العراق في إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، والذين أمضوا أربع سنوات دراسية إلى سوق العمل، لكن هؤلاء الخريجين دخلوا إلى أجزاء أخرى من سوق العمل غير تلك التي يدخلها غالبية خريجي الجامعات في العراق فقد انضموا إلى القطاع الخاص.
في حين تشير التقديرات إلى أن نسبة ضخمة من القوة العاملة تصل إلى 50 في المائة في كردستان العراق، ونحو 35 في المئة في العراق، تعمل في الوظائف الحكومية، إلا إن معظم خريجي الجامعة الأمريكية في العراق في السليمانية تقريبا يعملون في الشركات الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك لا تزال معدلات البطالة عالية في العراق وتصل إلى 18 في المئة بين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة و فقا للأمم المتحدة، غير إن جميع خريجي الجامعة الأميركية تقريبا يعملون.
حقيقة أنهم يعملون في القطاع الخاص هي حقيقة مهمة لمجموعة متنوعة من الأسباب، ولكن يمكن أيضا أن تكون حقيقة إشكالية، بحسب ما يشير تقرير لموقع «نقاش».
فمن الواضح جداً، أنها حقيقة مهمة لأن إصلاح التعليم هو أمر مفصلي لبناء قطاع خاص مزدهر في العراق، ولأن القطاع الخاص المستقل اقتصاديا هو جزء أساسي لإقامة دولة ديمقراطية.
وحالياً تعتبر الوظائف والصدقات واحدة من أهم الطرق التي تستخدمها الأنظمة في العراق وكردستان للحفاظ على قوتها وذلك من خلال رعاية العمالة على نطاق واسع وجعل غالبية السكان مدينون بالشكر والامتنان للأحزاب الحاكمة على الوظائف والصدقات التي تقدمها لهم.
تظهر هذه الديناميكية جلية في أوقات الانتخابات – وتشمل الأمثلة الحديثة مرشح دولة القانون محمود الحسن، والذي اكتشف وهو يوزع الأراضي على المؤيدين في الانتخابات في الديوانية.
وهذا ليس حادثا معزولاً فلا يمكن أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة بدون إزالة هذه الاعتمادية بحيث يصبح المواطنون العراقيون قادرون على التصويت لخطة تستند إلى السياسة وليس لدفع شيك حزبي.
يفضل العراقيون العمل في القطاع العام بسبب الحوافز، وخاصة معاشات التقاعد والأمن الوظيفي وفي هذا الصدد يقول هاشم خليل، مساعد مدير في شركة إرنست آند يونغ المالية الدولية في بغداد، إن «العراقيين يفضلون العمل في القطاع الحكومي لأنه يقدم المزيد من الفوائد، مثل «قطع الأراضي والمعاشات التقاعدية والقروض».
وبسبب عقود من الحرب والعقوبات والعنف، يخشى العراقيون أيضا انسحاب الشركات العالمية من البلاد في أي لحظة، الأمر الذي يترك القطاع العام أكثر موثوقية وأمناً.
لا ترى الغالبية العظمى من خريجي الجامعة الأميركية في العراق أي إمكانية للعمل في القطاع العام، وهم يعتقدون إن مواهبهم ستضيع في خضم الفساد والبيروقراطية والنظام القائم على الواسطة «حيث يتم توظيف ثمانية اشخاص للقيام بمهام يمكن لشخص واحد القيام بها» علـى حـد وصف أحد الخريجين.
«مع كل ما تعلمته في الجامعة الأميركية في العراق، كيف يمكنني أن أعمل في القطاع العام»؟ تقول خريجة أخرى وتضيف «ستكون تجربة مليئة بالإحباط ولن يكون بوسعي أن أفعل أي شيء».
ومن المثير للاهتمام أن هناك أيضا مسائل عملية تمنع خريجي الجامعة الأميركية في العراق من العمل في القطاع العام، فالخريجون هم في الواقع غير مؤهلين للعمل في القطاع العام خارج كردستان العراق لأنه لم يتم اعتماد الجامعة من قبل الحكومة المركزية في بغداد حتى اليوم.
وفي الوقت الحاضر لا تدرس المدارس العراقية طلابها المهارات المطلوبة مثل القراءة والكتابة التحليلية والتفكير النقدي والأمر لا يتعلق فقط بتأسيس أو اعتماد المزيد من المؤسسات مثل الجامعة الأميركية في العراق، أو المدارس الثانوية مثل كلية بغداد، بل الأهم من ذلك هو الإصلاح الشامل للمناهج وطرق التدريس في المدارس الحكومية في العراق.
إن هذا الأمر لا يتعلق أيضاً بفرض ثقافة ولغة مختلفة على شعب العراق بل يتعلق بتوفير فرص تعليم أفضل، والنظر في أفضل الممارسات في العالم في مجال التعليم والاستفادة منها في العراق لبناء الاقتصاد ولتطوير حاكمية أفضل.
لننظر إلى المجتمع الأوسع الذي قد نشأ فيه معظم الشباب العراقيين فهناك الكراهية الطائفية والانقسام والعنف بالإضافة إلى ذلك عادة ما يقول المحللون إن أحد أكبر المشكلات السياسية في العراق هو إن السياسيين العراقيين لا يمكنهم تقاسم السلطة ويرفضون الاستماع إلى بعضهم البعض. فإما «نحن أو هم» هي العقلية السائدة والتي هي جزئيا نتاج تاريخ البلاد المعقد.
ولكن بعض تلك المواقف هي نتاج النظام التعليمي أيضاً، فبإمكان نظام تعليمي أفضل على أقل تقدير تعليم الجيل المقبل من العراقيين أهمية الاستماع إلى الآخرين وتقاسم السلطة والتفكير الناقد، والنظر في وجهات نظر الآخرين.
يحمل العديد من الطلاب شهادات الثانوية وشهادات جامعية بدون أن يكونوا قرّاء وبدون إجراء البحوث الأكاديمية أو كتابة مقالات أصلية، فالصفوف القائمة على المحاضرات لا توفر مجالاً لتبادل الأفكار والدراسات تتطلب الحفظ بدلاً من التحليل والفهم حيث يعطي الأساتذة طلابهم مادة من الإنترنت ويطلب منهم حفظها ومن ثم اجترارها في الاختبارات، فالعديد من المهام التي يطلبها الأساتذة من طلابهم تتلخص فقط في العثور على مقالة أو الدخول إلى موقع ويكيبيديا والعثور على الموضوع ومن ثم طباعته وتقديمه.
نظام التعليم العراقي تميل الصفوف فيه إلى الهرمية كما هو حال أماكن العمل، وقد يكون ذلك نتيجة للأعراف الاجتماعية في كردستان العراق والشرق الأوسط الكبير ولكن في مكان العمل، لا يكافئ الرؤساء أو حتى غيرهم من زملاء العمل، في كثير من الأحيان، صغار الموظفين الذين يثيرون الأسئلة ويتقدمون بمقترحات والذين يجاهرون بأرائهم إذا كان لديهم أفكاراً، والنظرة السائدة للذين يعملون بجد أو للطلاب الذين يحاولون التفوق هي أنهم «يتكبرون» على الآخرين أو «يتفاخرون» بأنفسهم.
ولزيادة أعداد أولئك الذين يفكرون تفكيراً نقدياً وتجارياً في البلاد ينبغي على الوزارات العراقية المسؤولة أن تجري مراجعة شاملة للمناهج وطرق التدريس في جميع المستويات التعليمية وفتح مؤسسات خاصة جديدة للفنون الحرة.
وفي شهر ديسمبر الماضي لم يتطرق وزير التعليم العالي في العراق، علي الأديب إلى هذه الاقتراحات في وقائع التعليم العالي ولكنه أيضا أيدها بشدة.
يقول الأديب إن «شباب العراق بحاجة أكثر بكثير من مجرد ملاذ آمن للدراسة» ويضيف «يجب أن يتعلموا مرة أخرى التسامح والاحترام المتبادل والانفتاح، ومهارات التفكير الناقد وهذه المبادئ جميعا هي التي جعلت العراق عاصمة فكرية وملاذاً لجميع الديانات السماوية على مدى قرون طويلة. لقد لمسنا أثر مؤسسات مثل الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة الأمريكية في القاهرة على أجيال من الشباب العـرب. ونحـن نريد أن يحدث هذا الأثر اليوم في العراق».