تسعى المصطلحات الأدبية الى ربط المفهوم العام بالخاص.. الى التوصل الى حيثيات فهم المعنى والقصد والتأويل.. بمعنى ان المصطلح لا يأتي من فراغ بل من وجود أساس أو حيثيات مبهرة، سواء ما كانت منها ثقافية أو علمية أو دينية. لذا ولتعشب الحياة ازدادت المصطلحات وتشعبت وتحركت من مكانٍ الى آخر.. كل شيء في الحياة أصبح له مصطلح يحاول تعريف ماهية العلاقة بين المفهوم والمعنى الاصلي. بمعنى إنه يفكّك تلك التشعبات التي ترافق الموضوع وهي دائما ما تكون مصطلحات ترتبط بالدلالة للوصول الى المدلول في فن من الفنون أو علم من العلوم أو فكرة من الأفكار وهذه المصطلحات لا يتم وضعها إلّا من خلال مبدعين تمكّنوا من الغور في أعماق الدلالة البحثية المراد الوصول إلي تقشيرها وتقديمها بشكلٍ مهم.. وإذا ما أخذنا مثلّا مصطلح الظاهراتية في الأدب ومطلقه الفيلسوف إدموند هوسرل ويؤكد البعض إن البدايات الأولى كانت مع هيجل وهو مصطلح في لغته يسمى الفينومينولوجيا ليتحوّل بعد البحث الى مدرسةٍ (تعتمد على الخبرة الحدسية للظواهر كنقطة بداية (أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبرتنا الواعية) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة وأساس معرفتنا بها. غير أنها لا تدعي التوصل لحقيقة مطلقة مجردة سواء في الميتافيزيقا أو في العلم بل تراهن على فهم نمط حضور الإنسان في العالم) بمعنى إن الأشياء تبدأ من عملية بحث للتوصل الى معنى وتقريب ما يمكن أن يكون مشتّتًا وغير قابلٍ للفهم، فيأتي الباحثون أو الفلاسفة أو النقاد أو الذين لهم باعٌ في الغوص داخل المعنى لتأطير هذا المفهوم في إطار مفاهيمي يسمى مصطلح.. ولكن هذا المصطلح لا يبقى على مفهومٍ ثابتٍ فهو متغيّر أيضا لأن عملية طرحه تبدو في بدايتها مثل جنينٍ فيأتي المختصّون الآخرون أو الباحثون والفلاسفة الذين لديهم القدرة على الغوص من جديد في أعماق المفهوم الذي تم طرحه لإنتاج مفاهيمٍ جديدةٍ قد ترتبط معه وتزيد سمكه أو تخالفه وتعارضه وتفنده فيأتي بشيءٍ آخر وأن استغل اسم المصطلح.. وإذا ما عدنا الى مصطلح الظاهراتية كمثالٍ سنجد إن بعد هوسلر جاء هايدغر وسارتر وموريس ميرلو بونتي وريكور. ليدلو كلّ منهم بدلوه حول المصطلح ولكنها جميعا جاءت في لحظة اشتغال هيجل أو هوسلر على ان الظاهراتية تقوم على جهدٍ فلسفيٍّ ثم تحوّلت الى مفهومٍ أدبيٍّ وربط العلاقة الديالكتية بين الفكرة والواقع. ولو أخذنا هذا المصطلح الذي تحوّل الى مدرسةٍ فلسفيةٍ فإنه جاء كردّ فعلٍ على المدرسة الوضعية، وبالتالي فإن الإضافات الأخرى أو الآراء الجديدة التي تأتي كردّ فعلٍ على أصل المصطلح ستكون أيضا قابلة للتأييد والدحض معا.. وهو ما يعني إن المصطلح لا يعني ولادةً ثابتةً وخاصّة وغير متحرّكة بل يشملها التفكير المنطقي والفلسفي والأدبي وحتى الديني والسياسي تبعاً لما يأتي به الباحثون أو المفكّرون. ومجمل القول إن المصطلح ليس ألةً أو إنه قولٌ مقدّسٌ بل هو قابلٌ للحراك المتّصل بالحالة الثقافية والوعي سواء لمنتجيه أو لمتلقيه والهدف منه هو الفهم الخاص لما يمكن تلقّيه من النص.
علي لفته سعيد
المصطلحات والتحرك الدائم
التعليقات مغلقة