انشقاقات محتملة داخل الكتل الفائزة والزعماء يقعون في فخ قانون الأحزاب

نواب يتنقلون بين القوائم بعد إعلان نتائج الانتخابات

بغداد ـ الصباح الجديد:

لم يتوقع قادة الأحزاب والقوى السياسية العراقية التي طالما رفضت إقرار قانون للأحزاب أن ينقلب عليهم الأمر ويصبح أعضاء هذه الأحزاب عرضة للبيع والشراء من قبل الأحزاب الأخرى مقابل أموال أو مناصب.

غياب قانون ينظم الأحزاب في الحياة السياسية في العراق بعد 2003 تسبب في أزمة ثقة بين قادة الأحزاب ونوابهم في البرلمان ووزرائهم في الحكومة والخوف من الانشقاق عنهم في أي لحظة متى ما حصلوا على أموال أو منصب سياسي.

الأسبوع الماضي فاجأ عدد من النواب السنّة داخل ائتلاف “متحدون” الذي يتزعمه أسامة النجيفي الأوساط السياسية عندما أعلنوا بأنهم لا يمانعون بقاء المالكي في الحكم وهو ضد الهدف الذي تسعى إليه قيادات “متحدون”.

ابرز هذه المكونات “الحزب الإسلامي” العراقي، وحركة “الحل”، و”العربية”، وهو ما يعتبر أول انشقاق رسمي لكتلة سياسية بعد الانتخابات فيما لو حصل فعلاً أثناء التصويت داخل البرلمان على اختيار رئيس الحكومة المقبل.

وأيضاً فإن التيار الصدري الذي حصل على 34 مقعداً تتحدث تسريبات إعلامية إن عدداً من نوابه يتفاوضون مع المالكي للوقوف إلى صفه ودعم بقائه في السلطة، على رغم إن التيار الصدري ومن خلال زعيمه وقياداته يرفضون بقاء المالكي ويصفونه بالدكتاتور.

وهناك نواب ينتمون إلى كتل صغيرة تجري مفاوضات معهم من قبل بعض الكتل لضمهم إلى جانبهم مقابل حصولهم على أموال أو مناصب في الحكومة المقبلة، ومن الممكن أن يؤثر نائب أو نائبان في المعادلة السياسية.

وعلى سبيل المثال في الانتخابات المحلية في محافظة الناصرية التي جرت في آذار عام 2013، انشق النائب حسن صالح عن التيار الصدري وانضم الى المالكي ما رجح كفة المالكي بالفوز في منصب المحافظ بفارق مقعد واحد، وحصل حسن صالح على منصب نائب المحافظ.

ولكن ما الذي يجعل النواب الجدد يتقلبون في مواقفهم، ويخالفون آراء أحزابهم التي ساعدتهم بالمشاركة في الانتخابات والفوز فيها؟.

المراقبون يقولون إن غياب قانون ينظم عمل وبرامج ومبادئ الأحزاب السياسية في العراق وراء ظاهرة الانشقاقات وخيانة الأحزاب والكتل من قبل أعضائها لأجل الحصول على أموال أو مناصب. 

ويقول المحلل السياسي سعيد الراوي لـ “نقاش” إن “عدم وجود قانون للأحزاب في البلاد وراء حالات الانشقاقات المستمرة لأعضاء الأحزاب والكتل، كما إن غياب النظم الداخلية المهنية للأحزاب تجعل الأعضاء غير ملزمين باحترام أحزابهم.

الأمر الآخر هو إن تمويل الأحزاب العراقية لا يعتمد على الجماهير ليضطر السياسيون إلى احترام مطالب الشعب كما هو معمول به في الدول الديموقراطية، وإنما يعتمد على خزينة الدولة أو من الجهات الخارجية ما يجعل عضو الحزب بعيد عن مطالب الجماهير.

المفارقة الأخرى إن العديد من النواب والسياسيين الذين كانوا مجرد سياسيين حديثي العمل بالسياسية أصبحوا بعد سنوات قليلة قادة لأحزاب كبيرة ويتحكمون بالعشرات من النواب، مثل أسامة النجيفي رئيس البرلمان الحالي وزعيم ائتلاف “متحدون” السني بعد إن كان قبل أربع سنوات مجرد نائب مع ائتلاف “العراقية” بزعامة إياد علاوي.

خلال السنوات العشر الماضية شهدت الأحزاب والكتل السياسية العشرات من الانشقاقات بين أعضائها بينها حزب “الدعوة الإسلامية” الذي يتزعمه الآن رئيس الوزراء نوري المالكي، انقسم غير مرة وهناك الآن حزب الدعوة “تنظيم العراق” و”الدعوة تنظيم الداخل” و”تيار الإصلاح الوطني” بزعامة الأمين العام السابق للحزب إبراهيم الجعفري.

كما أن ائتلاف “العراقية” الذي فاز في الانتخابات بالمرتبة الأولى برصيد 91 مقعد شهد انشقاق القائمة “العراقية البيضاء” التي تحولت فيما بعد إلى “البيضاء” و “متحدون” و حركة “الحل”.

الأحزاب الكردية المتصدعة تنظيمياً عانت هي الأخرى من الانشقاقات، فالاتحاد الديمقراطي بزعامة جلال طالباني سبق وانشقت عنه حركة “التغيير”، فضلاً عن انشقاقات أخرى تحت السطح لدى شريكه “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بسبب نزاعات عائلية- سياسية، بين ابن رئيس الإقليم مسرور بارزاني وابن عمه نيجرفان.

حزب “المؤتمر الوطني” بزعامة السياسي أحمد الجلبي انشق في السابق أيضاً وتشكّل عنه حزب “الأمة” بزعامة النائب السابق مثال الالوسي، واليوم الجلبي مع الائتلاف الشيعي، أما الالوسي فأصبح مع “التحالف المدني الديمقراطي”.

وشملت الانشقاقات التيارات والتكتلات السياسية غير الحزبية كالتيار الصدري ومنه خرج حزب “الفضيلة”، و”عصائب أهل الحق”، “وكتائب حزب الله”.

“المجلس الأعلى الإسلامي” بزعامة الشاب عمار الحكيم، تعرض أيضا للانشقاق إذ انسحبت منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري التي كانت تعتبر الجناح العسكري للمجلس الأعلى منه وقررت الانضمام إلى صف المالكي.

الأساس القانوني لتشكيل الأحزاب والكيانات السياسية لا يزال يعتمد على الأمر رقم 97 الذي أصدره الحاكم المدني الأميركي بول بريمر 2004، ويعترف جميع السياسيون العراقيون بقصوره كونه يتيح تشكيل حزب بمجرد توقيع أقل من (500) شخص على عريضة بتشكيله من دون ضوابط تفصيلية كمسألة مصادر التمويل مثلا، وامتلاك الحزب لنظام داخلي وانتخابات دورية.

ويسعى العراق منذ سبع سنوات إلى تشريع قانون ينظم عمل الأحزاب وتم تقديم مسودات أولية كثيرة إلا أن القانون لم يشرَّع حتى اليوم.

ويقول مراقبون إن السبب في ذلك هو توافق قادة الأحزاب العراقية على عدم تمريره لأنه سيحد من نشاطهم ويلغي عمل عشرات الأحزاب الحالية.

الدستور الدائم الذي اقر في العام 2005 يوجب في الفقرة الأولى من المادة 39 “تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، وتكفل هذه المادة حق الانضمام إليها، ويتم تنظيم ذلك بقانون”.

ولكن عشرات الأحزاب العراقية التي تمارس العمل السياسي في البلاد منذ العام 2003 لم تخضع حتى اليوم لأي قانون ينظم عملها ويحدد مصادر تمويلها، وهو ما يعتبر نقطة سلبية على النظام السياسي في العراق بعد سقوط نظام الحزب الواحد الذي تزعمه صدام حسين.

المسودة الموجودة في رفوف البرلمان لمشروع قانون الأحزاب تتضمن (69) مادة، ناقشها البرلمان آخر مره في أيلول (سبتمبر) عام 2010 لمرة واحدة وقرر تأجيلها إلى إشعار آخر، وهي تتضمن العديد من النصوص التي تتعارض وعمل الأحزاب التي تحكم البلاد.

وتشير المادة (27) الى ضرورة كشف مصادر تمويل الحزب وعدم الارتباط المالي مع جهات خارجية غير عراقية ومنع استخدام دور العبادة أو المؤسسات التعليمية لممارسة النشاط الحزبي.

المادتين (30) و (32) تؤكدان على ضرورة امتلاك كل حزب لنظام أساسي يتضمن القواعد المتعلقة بشؤونه السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية وكيفية إجراء الانتخابات الداخلية واختيار الكوادر الحزبية وآليات الانضمام إليها والاستقالة منها.

وتوجب المادة (41) أن تكون مصادر تمويل الأحزاب من خلال اشتراكات أعضائه والتبرعات والمنح الداخلية وعوائد استثمار أمواله في المجالات التي لا تعد أعمالاً تجارية وعوائد صحافته ومطبوعاته ونشاطاته الأخرى والإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة بموجب قانون الموازنة السنوية.

ولكن المشكلة إن هذه الشروط لا تنطبق على أي من الأحزاب والكتل السياسية في العراق، كما إن هناك صعوبة في تطبيقها حالياً. 

وأكثر النقاط الخلافية المسكوت عنها هي عدم إجازة القانون تأسيس الحزب على أساس طائفي، إذ إن غالبية الأحزاب الموجودة تضم طائفة واحدة كالحزب الإسلامي وحزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي والحزب الفضيلة.

بالإضافة الى ذلك، يمنع القانون أي حزب من امتلاك ميليشيات مسلحة بينما تمتلك حركة “عصائب أهل الحق” التي شاركت في الانتخابات وحصلت على مقعد واحد، ميليشيا تضم آلاف المقاتلين وتنفذ عروضا عسكرية علنية في شوارع بغداد، فضلا عن ميليشيات “غير رسمية” تتبع عدداً من الأحزاب الأخرى.

ويلاحظ أن الأنظمة الداخلية لغالبية الأحزاب العراقية متشابهة من جهة التنظيمات الإدارية كوجود أمانة عامة أو الهيئة العامة كما هو الحال مع حزب “الدعوة” و”المجلس الأعلى الإسلامي” وحركة “الوفاق الوطني” والحزب “الإسلامي”، والحزبين الكرديين الكبيرين.

ومن جهة الأهداف فجميعها تؤكد على خدمة المواطن والإيمان بالديموقراطية، لكن من دون وجود برامج عملية لتنفيذ تلك الأهداف، ما يجعل هذه الأحزاب وأعضائها عرضة للانشقاق والقبول بالعروض المالية أو المناصب السياسية لاتخاذ قرارات بعيدة عن أهدافهم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة