أمير الحلو
تعد الافلام السينمائية ضمن الوسائل التي تستعملها بعض الجهات وخصوصاً الاستخبارية(لتمرير) حالة معينة بشكل غير مباشر ،وهنا يكمن الذكاء،إذ انك ترى قصة تستهويك فتتابعها وتتعاطف مع حوادثها وحواراتها ولكنها ستوصلك في النتيجة الى قناعات تغاير ما تعرفه سابقا حول حالة معينة،وليس من الضروري ان تكون القصة واضحة الاهداف منذ البداية،وانا من(مدمني) مشاهدة الافلام السينمائية في دور عرضها سابقاً،أما الآن فاتمتع بنعمة مشاهدتها عبر القنوات التلفزيونية،وأشاهد مساء كل يوم فيلماً سينمائياً واحداً في الاقل بعد ان استقر عليه من عدة افلام معروضة.والافلام السياسية باتت رائجة ومؤثرة خصوصا اذا كانت غير خطابية أو ظاهرة الانحياز لطرف ضد آخر،فقد شاهدت مرة فيلماً عن مركبة فضائية مشتركة بين الاميركان والروس وهي من صناعة روسية،وفي طريقها الى الهدف حصل عطل فيها وكادت تسقط لولا تدخل المهندس الاميركي الذي قام باصلاحها،وهنا،ومن دون ارادتك،تشعر بأن التقنية الاميركية هي الافضل،وليس من الضروري في مركبات الفضاء ولكن في مجالات كثيرة وهو ترويج تجاري وسياسي في آن واحد .
وقبل يومين شاهدت فيلماً على قناة(دبي1) بدأ من معسكر في بلغاريا بعد الحرب العالمية الثانية قامت السلطات الشيوعية التي تسلمت الحكم باحتجاز معارضيها مع عائلاتهم فيه،ولكن إحدى السيدات استطاعت ان تهرب الى خارج البلاد قبل اعتقالها أما بقية افراد العائلة ومنهم صبي صغير فيبقون في المعسكر،ويحاول الفيلم تبشيع الاساليب التي تستعملها سلطات المعتقل بحق نزلائها،حتى يقرر الصبي ان يهرب مستغلا صغر جسمه ومرونته وقدرته على التخفي،وبالفعل ينفذ مشروعه ويستطيع ان يجتاز الحدود البلغارية متوجها سيراً على الاقدام الى العديد من بلدان اوروبا(الحرة)،وبالطبع فان احداً لا يسأله عن جواز سفره أو سبب وجوده و(الجميع)يتكلمون اللغة الانجليزية،كما يستطيع الحصول على الطعام بسهولة وكذلك بعض الاموال في اعمال عابرة،حتى يصل الى قرية سويسرية فتحتضنه امرأة عجوز يلاحظ لديها كتاباً عليه صورة أمه وعند تصفحه يجد انها قد كتبت عنه ذكرياتها وما واجهته من مصاعب،وما تعيشه من ألم بسبب فراق عائلتها المعتقلة،فيسأل الصبي عن مكان وجود(المؤلفة)،فيعرف انها في كندا،وهنا يعترف لمضيفته بقصته،فتهتم به كثيراً وتتصل بالسلطات المسؤولة التي تقوم (بجمع الشمل)وتخصص طائرة له لتنقله من سويسرا الى كندا مباشرة حيث يلتقي أمه.
كان الفيلم مشوقا رغم احداثه ووقائعه الحزينة،وكانت نهايته سعيدة جعلتني افكر في النتائج والدروس (المستخلصة) من هذا الفيلم في ضوء معرفتي بان لكل فيلم سياسي هدفاً لابد من التفتيش عنه،ولست هنا بصدد الدفاع عن بلغاريا في العهد الاشتراكي او الحالي ولكني لا اتصور ان آمر المعسكر يخرج مسدسه ليقتل سجيناً لانه أخذ صابونة الحمام ليغتسل بها بعد يوم شاق… وكانت الصورة انعكاساً للصراع السياسي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية .
كم تبدو بعض الاشياء جميلة على خلاف دواخلها،سواء في الافلام أو الفواكه ..أو البشر !