الأغلبية الترقيعية

جمال جصاني

تصاعدت نبرة الحديث عن امكانية التخلي عن سبيل (الديمقراطية التوافقية) الذي وصل الى طريق مسدود، على الرغم من الحماس الشعبي الذي شهدته جميع الدورات الانتخابية التي جرت على مدى الاعوام الماضية، اتحادية كانت أم محلية. ومقابل نضوب حظوظ تلك الصيغ التوافقية، متمثلة بحكومة الشراكة الوطنية، نشاهد صعود نجم بديل معروف ومجرب عند اكثرية المجتمعات والامم التي سلكت طريق الديمقراطية، وهو (الاغلبية السياسية) ذلك المفهوم الذي تصدر قائمة الشعارات الاكثر رواجاً في الآونة الاخيرة. لكن هل اختمرت الشروط والعوامل المناسبة حقاً لظهور مثل هذا البديل الوطني، أم انها لا تعدو ان تكون سوى دقلة اخرى تضاف الى سابقاتها من المحاولات اليائسة؟

ليس هناك ادنى شك، من كوننا جميعاً نتمنى ان نرى فيها مركب العملية السياسية الجارية في العراق اليوم، وهو يصل الى ضفاف مثل تلك المفاهيم الراقية، التي عكست حكمة وتجارب الامم الحرة في ادارة دفة الاختلافات والاشتباكات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية داخل الوطن الواحد. غير اننا من جانب آخر لا نمتلك الكثير من الوقت والامكانات لنهدرهما في الهرولة خلف جيل جديد من الاوهام البعيدة عن واقع امكاناتنا الفعلية، خاصة بعد تعرفنا على الملامح الحقيقية للقوى والكتل السياسية التي بسطت نفوذها على المشهد السياسي الراهن.

ولن نبتعد كثيراً عن الواقع، عندما نشير الى ان تحقق مثل تلك الآمال، يحتاج الى تصدعات وتراكمات عديدة، هي من دون شك اليوم في طور التشكل، غير انها لم تصل للمستوى الذي يمكننا من مجاراة التفاؤل الذي انتاب غير القليل من زعماء العملية السياسية الراهنة. لذلك لا يمكن لنا ان نتوقع من مثل تلك المحاولات الساعية للقفز على متطلبات المرحلة الانتقالية ذات الطبيعة التوافقية، سوى انها ستقدم لنا في افضل الاحوال نوعاً جديداً من الاغلبيات، يمكن ان نطلق عليه اسم (الاغلبية الترقيعية) بوصفها عكازة تساعدنا على الوصول بمشحوفنا المترنح الى ضفة آمنة من المرحلة الانتقالية. ان تحقق حلم حكومة الاغلبية السياسية، يحتاج الى تصدعات اوسع واعمق داخل الكيانات الاثنية والطائفية، ومثل تلك الزحزحة السياسية والقيمية لن تصل الى هدفها المشروع من دون ظهور زعامات شجاعة تمتلك العزم على اتخاذ قرارات تاريخية جريئة، قرارات تضع نصب عينيها مصالح سكان هذا الوطن القديم بعيداً عن سموم الحقب الآيديولوجية والشعبوية..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة