إستحكامات الأزمات..

عامر القيسي*

 يقال في قياس ذكاء الإنسان ان الذكي بإمكانه ان يجد أكثر من حل لمشكلة واحدة، ومن فرط ذكاء نخبنا السياسية أنها تحشر نفسها في حل واحد لأي أزمة تطرح نفسها بخيوط متعددة للحل، فيتلفون أعصابنا وتتشابك الخيوط وتستحكم مغاليق الأبواب حتى تقول هذه النخبة وتحشرنا معها من أن البلاد تسير في طريق مسدودة أو التهديد بعالم المربعات بمقولات المربع الاول.

وفي كلتا الحالتين ضاعت علينا الدروب المسدودة ولا ندري في أي أزمة مشينا في طريق مسدودة ولا في أي أزمة نحن سننطلق من المربع الاول، والأكثر غرابة ما عدنا نعرف أي المراحل يقصد بها المربع الأول !

وهكذا مشينا منذ أكثر من عشر سنوات في دروب مسدودة وإنطلقنا أكثر من مرّة من المربع الأول والنتيجة هي حال البلاد والعباد كما نراها ونلمسها ونكتوي بها ..

نتائج الإنتخابات هل ستقودنا الى طرق مسدودة أم أنها ستقلع بنا من المربع الأول ؟

معركة الفلوجة اليوم هل هي في الطريق المسدودة أم أنها المربع الأول أو ستكون لها تسميات أخرى ؟

أزمة تشكيل الحكومة هل ستسير بنا الى طرق مسدودة أم تعود بنا الى المربعات الأولى ؟

كومة من الأزمات ما وجدت لها النخبة “المثالية” حلاً ولا حلولاً، وكان من أبرز سمات شخصية هذه النخبة هي إستراتيجية الترحيل، أي ترحيل أزمة ما إلى وقت لاحق، كما في تحويل أزمة المصادقة على مشروع قانون الموازنة وترحيلها الى أزمة تشكيل الحكومة المقبلة ، أو إضافتها وتراكمها فوق سلة الأزمات، لتنتج لنا أزمة نوعية ثالثة هي الولادة العسيرة لتزاوج أزمتين أو أكثر، وهذا نتاج طبيعي فيقال في الفلسفة ان التراكم الكمي يؤدي الى تحولات نوعية !

ولا مؤشرات لدينا ان النخبة “القديمة – الجديدة” القادمة إلينا ستختلف إستراتيجياتها في تفكيك الأزمات عمّا شاهدناه ولمسناه من القديمة المخضرمة منذ التغيير عام 2003، ولا يبدو ان التغيير الإفتراضي في 2014 سيكون قادراً على تبني حلول ممكنة للمأزق العراقي، والأصح أنها غير قادرة على الخروج من المأزق، لأن المهمة الثقيلة المتورطين فيها جميعاً تحتاج الى عقليات من طراز آخر ..!

عقليات لها القدرة على الإبتكار وبإمكانها ان تخوض في المساحات الوعرة ولديها الإستعداد والجرأة والقدرة على ان تأخذ القرارات التأريخية النادرة وتقبل خسائر الحاضر لصالح المستقبل ..

عقليات غير تقليدية، لا تجتر المصطلحات عن المكونات والأغلبيات والمحاصصات والإستحقاقات والمؤامرات وتنغمس فيها فتضيع في متاهاتها وتضيع الوطن والشعب معاً ..

الرسول محمد تقبل خسائر صلح الحديبية الآني ليربح مستقبل دعوته بعقلية نادرة مبتكرة، ولينين تقبل خسائر صلح بريست ليربح الثورة الروسية ومستقبلها بعقلية فذّة أيضاً، لأن هذا النمط من العقليات النادرة والإستشرافية يدرك تماماً ان القبض على مقاليد المستقبل والنجاح فيه، يتوجب القبول ببعض خسائر الحاضر وان كانت ثقيلة، وان واجهت معارضة قوية كما في المثالين السابقين ..

نحتاج الى عقليات من هذا الطراز لتحلّ للبلاد أزمة الأنبار وإستحكامات أزمة أربيل وبغداد، والخروج من مستنقع المحاصصة الذي يكررنفسه منذ المربع الأول ويزوق نفسه ببعض المصطلحات الغبية، وإيقاف لعبة الكراسي الجهنمية، وإلغاء فكرة المكونات في بناء دولة معاصرة ..

عقليات مستعدة أن تخرج مدماة من معركة الحاضر بإتجاه المستقبل الذي ينقذها وينقذنا ويوقف نزيف الدم في هذه البلاد العصيّة !!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة